محاكمة القطط السمان وزير العدل يدخل إلى عش الدبابير
قطبي المهدي: اختيار العوض لوزارة العدل لم يكن عبثاً والطريق أمامه سالك
ساطع الحاج: العوض الحسن النور رجل مناسب في زمن غير مناسب
الخرطوم: الطيب محمد خير – إبراهيم عبد الغفار
منذ أن تسلم وزير العدل الجديد عوض الحسن النور مهام وزارة العدل درج على فتح العديد من القضايا التي شغلت الرأي العام، وخصوصاً التي كانت تُحفظ بعيداً عن متناول أيدي صناع القرار.
ولا شك في أن وزير العدل عوض الحسن النور كما يتفق الناس وزير يمشي في طريق مملوء بالأشواك، لكن هناك ما يدعم مسيره ويسهل مهمته. فمنذ أن أعلنت الدولة برنامجها الإصلاحي الذي يرعاه النائب الأول لرئيس الجمهورية تغيرت المثير من المعطيات، حتى أن البعض عوّلوا على وزير العدل كثيراً لأنه جاء في ظل متغيرات لم تكن متاحة في السابق.
ويبدو أن الوزير قرر أن يمضي في طريق الشوك والمتاريس التي تضعها القطط الكبيرة، غير آبه بالمطبعات المصطنعة، ذلك أنه وزير يحسب على التكنقراط فقد عمل قاضياً لعدد من السنوات وربما هذه المرة الأولى التي يشغل فيها وزارة العدل شخصية قضائية لا سياسية.
خط هيثرو.. كسر أجنحة الصقور
أمسك وزير العدل عوض الحسن النور بعدد من القضايا التي شغلت الرأي العام، والتي طال أمد حلها وإعادة الحقوق لأهلها، لكن “النور” يبدو أنه عازم على أن يكون “الضوء” في هذه الأنفاق المطلمة والمعتمة.
وزير العدل ابتدر طريقه بقضية هيثرو التي طال انتظارها أعواماً طويلة، ولا يخفى على أحد أن تأخر الحقيقة في تلك القضية كان سببه أصحاب الأيادي الطويلة الذين توجه إليهم أصابع الاتهام حيث استطاعوا إطفاء الضوء المسلط إلا أن أجهزة الإعلام ظلت تطرق على تلك القضية بشكل مستمر إلى أن تولى عوض الحسن النور وزارة العدل، وأنزل ذلك الملف من أرفف الوزارة وإعاد فتحة من جديد. بل وجه قبل حوالى شهر من الآن بفتح بلاغات ضد كل من مستشار مجموعة عارف الاستثمارية الكويتية ونائب رئيس مجلس الإدارة للمجموعة الكابتن علي ديتشي، وكل من تثبت علاقته بالتعاون والاتفاق والتحريض معهما، وتسبب في فقدان خط هيثرو ولم يقف ملف القضية على ذلك إذ أن المدعي العام أحال ملف الدعوى في القضية إلى نيابة الأموال العامة تمهيداً لتحويله للمحكمة.
فساد الأراضي.. ملامسة الأسلاك الشائكة
واصل وزير العدل المضي في طريق الشوك وسلط الضوء على قضية الفساد والتحلل التي شغلت الرأي العام كثيراً أثناء قضية فساد الأراضي بمكتب والي الخرطوم السابق التي تم إغلاق ملفها بعد جدل كثيف، ولكن وزير العدل فاجأ الناس منذ أول أيام توليه الوزارة بإعادة فتح ملف الفساد في الأراضي الاستثمارية التي تورط فيها موظفين بمكتب والي الخرطوم السابق، وقرر الوزير تشكيل لجنة للتحقيق في جميع الأراضي التي تم تخفيض رسومها خلال حقبة الوالي عبد الرحمن الخضر كما أنه أغلق الجدل الدائر في ذلك الوقت عن مادة التحلل التي تسلل عبرها المتهمين من العدالة، وقال إن التحلل لا يجوز في حال علمت السلطات بالمخالفات التي ارتكبها المتحلل، ومنذ أن فتح الوزير ذلك الملف الشائك تنبأ العديد من القانونيين بخروج الوزير الجديد من الوزارة من قبل ضغوطات قد تمارس عليه خاصة وأنه قام بفتح ملف شائك قد يطال أصحاب النفوذ الكبير.
مقتل الراعي.. إعادة البحث عن الحقيقة
قضية مقتل الراعي عطا المنان الذي قضى تحت وطأة التعذيب، والتي تعد واحد من أبشع الجرائم، ذلك أن تقرير الطيب أكد أن القتيل تعرض إلى تعذيب مفرط. ومما جعل القضية تجد حظها من الزيوع، هو أن دائرة الاتهام شملت عبد الرحمن علي نافع، وقبله البلال علي نافع الذين يملكان الماشية التي اتهم الراعي القتيل عطا المنان بالضلوع في سرقتها.
المهم أن القضية وجدت الاهتمام لدى وزير العدل الذي قال إنه على استعداد لمراجعة إجراءات القضية التي شهدت إطلاق سراح المتهمين بالضمانة الشخصية على الرغم من إنهم متهمون تحت المادة 130 القتل العمد، وهو ما يعد مخالفة للمادة 106 من قانون الإجراءات التي تحظر إطلاق سراح المتهمين في جرائم القتل العمد بالضمانة العادية.
ومعلوم أن وزير العدل السابق محمد بشارة دوسة استخدم سلطاته وأصدر قراراً بشطب الاتهام في مواجهة بعض المتهمين، قبل أن تشهد القضية بطئاً في الإجراءات لكن وزير العدل الحالي عوض الحسن النور جاء ورفض شطب الاتهام في مواجهة المتهمين عبد الرحمن علي نافع، وأحمد عمر حسن نمر، ومحمد بابكر أحمد، وأصدر الوزير قراراً قضى بإعادة الأوراق إلى النيابة المختصة، والتي بدورها حولت البلاغ إلى المحكمة وفقاً للمواد 130، 22، 25 75 من القانون الجنائي لسنة 1991 المتعلقة بـ“القتل العمد، الاشتراك والتحريض والامتناع عن تقديم المساعدة الضرورية”.
شهداء سبتمبر.. التنقيب تحت ركام الكارثة
قضية جدد فتحها الوزير الجديد بعد أن أوشكت على أن تدفن مع أصحابها الشهداء إلا وهي قضية أحداث سبتمبر التي اندلعت في العام 2013 على إثر قرارات الدولة برفع الدعم عن المحروقات مما أثار غضب الشارع السوداني الذي انتفض في وجه النظام، رافضاً تلك القرارات في مظاهرات هي الأعنف من نوعها في عهد نظام الإنقاذ وراح ضحيتها أكثر من 200 شخصاً حسب تقديرات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية بينما تقول الجهات الحكومية أن عدد القتلى فيها بلغ 86 شخصاً، وفور انتهاء تلك الأحداث طالب أهالي الشهداء بالقصاص، ولكن لم تحرك الدولة ساكناً في تلك القضية حتى وجه الرئيس البشير خلال العام الجاري بتعويض أسر الضحايا إلا أن وزير العدل ظل متابعاً لذلك الملف واتخذ فيه إجراء هو الأول من نوعه في تلك القضية، حيث قام برفع حصانة أربعة متهمين ثبت ضلوعهم في قتل المتظاهرين في أحداث سبتمبر كما أعلن التزامه بتعويض أسر الضحايا بدفع الديات لـ86 قتيلاً بنحو 35 مليون جنيه
وزير العدل.. رجل مناسب في زمن غير مناسب.
“دكتور عوض الحسن النور هو الرجل المناسب في وزارة العدل، ولكن في الزمن غير المناسب، ولو كان قدر للدكتور عوض تولي مهام وزارة العدل في زمن ديمقراطي شفاف لكان قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه من العظماء من القانونيين ليس فقط على مستوى السودان بل على مستوى القارة الأفريقية والوطن العربي”. بهذه الكلمات ابتدر القانوني ساطع الحاج حديثه لـ(الصيحة) حول وزير العدل ويشير ساطع إلى أن عوض الحسن النور دائماً يحاول أن يرسخ سياسات تتماشى مع ضميره لكن ساطع بدأ غير متفائل حول الإصلاح والقضايا الحساسة التي طرق عليها عوض الحسن النور نسبة لما يراها بأنها لن تجد استجابة لأن معظم تلك القضايا الحساسة حولها أناس يتمتعون بعضوية البرلمان أو المؤتمر الوطني أو التنفيذية العليا في الدولة وهي جزء من النظام الحاكم في البلاد، مضيفاً أن معظم القضايا الذي يسعى الوزير لفتحها لن يستطيع فعلاً أن يصل إلى نهاياتها وتوقع الحاج أن يدفع الوزير الثمن غالياً، إلا أنه قال إن الوزير سيكون لديه شرف المحاولة في الوقوف أمام تيار الفساد الذي يهدد سلامة الوطن.
تكنوقراط في الوزارة.. ملامح نجاح منتظر
يذهب القانوني والقيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور قطب المهدي إلى أن اختيار العوض الحسن النور لتولي وزارة العدل كان مقصوداً باعتباره شخصية غير سياسية، وليس لديها علاقة كبيرة بالمجتمع السياسي حتى لا يتأثر كثيراً بنفوذ السياسين وتأثيراتهم حتى ينظر إلى الأمور من الناحية القانونية والعدلية وبالتالي يصبح في قراراته وأحكامه غير متأثر بأي أجواء سياسية ويستبعد قطبي أن تلاقي وزير العدل أي عقبات في القضايا الشائكة، مشيراً إلى أن كل القضايا التي يتناولها الوزير سيأخذ العدل فيها مجراه ويقول قطبي إنه لو كان غير مقصود أن لا يطبق الوزير الجديد القانون أو يضع اعتباراً لأي شخصيات أو نفوذ لما كان قد اختير منذ البداية لموقعه الحالي، مبيناً أن اختياره للموقع قصد منه أن يؤدي واجبه من غير الخضوع لأي ضغوطات من أي جهة.
الهبّة العدلية.. رؤية وزير أم برنامج دولة؟
اللافت أن وزير العدل د. عوض الحسن النور منذ مجيئه للوزارة في التشكيل الأخير انخرط في أعمال سلطاته في ملامسة وفتح العديد كثير من الملفات التي ظلت بعيدة عن أسلافه السابقين أن لم يكن محرم عليهم الاقتراب منها بدرجة رسخه لدى الرأي العام، مفهوم أنها محمية من الدولة ولا يمكن معاملتها، الشيء الذي وضع الكثير من علامات الاستفهام الممزوجة بالخوف على استمراريته في هذا المنصب، وأكثر التساؤلات الدائرة الآن من شاكلة هل ما يقوم به وزير العدل يأتي في سياق برنامج الإصلاح الدول الذي أعلنته الدولة بحديث النائب الأول الفريق بكري حسن صالح في أكثر من مرة، أم هي اجتهادات فردية لوزير يأتي بها ضمن صلاحيات في تحقيق العدالة، ومبعث الخوف هنا أن يصطدم بجدار ما يعرف الدولة العمقية التي تحدث عنها النائب.
قطار الإصلاح.. عقبات في الطريق
يقول أمين الدائرة العدلية بالمؤتمر الوطني الفاضل الحاج سليمان إن ما يقوم به وزير العدل يأتي في إطار ممارسته لصلاحياته وسلطاته بموجب القانون كوزير عدل ومسؤول عن تحقيق العدالة، يمكن أن يعرض نفسه للمساءلة أمام البرلمان أن لم يقم بهذه الواجبات, مشيراً إلى أن الوزير أوضح في حديث في مؤتمر الصحافي الأخير، أن هذه إجراءات تصب في إصلاح الدولة، ويستدرك الفاضل في حدثيه لـ”الصيحة” أن هذه الملفات كانت مفتوحة قبل مجيء الوزير مثل ملف خط هيثروا والأعمال التي تمت فيه كانت محل تحقيق والإجراء الذي اتخذه الوزير د.عوض هو فتح هذا الملف والمواصلة فيه ليجيب على تساؤلات الرأي العام إلى أين انتهت الإجراءات فيه، ويضيف الفاضل أن الوزير أكد أكثر من مرة أنه لن يتعرض لأي ضغوط من أي جهة، ولن يستجيب لها أن تمت لأنه يؤدي واجبه وفق القانون ولا علاقة لها بما يثار أن ضغوطاً قد مورست عليه.
عوض الحين النور.. سير رجل ممتاز
الدكتور على السيد حديثه أطنب في مدح وزير العدل الذي وصفه بالرجل الممتاز وأنه يتفق معهم تماماً في مطالبتهم بفصل منصب النائب العام عن وزير العدل، ويضيف السيد أن الإجراءات التي اتخذها الوزير هي اجتهادات منه في إطار سلطاته واختصاصاته المخولة له بالقانون وهو يرى أن مهمته الأساسية هي تحقيق العدالة الجنائية، وفي هذا يرى أن كثيراً من الملفات تم تجاوزها والسكوت عنها لأسباب سياسية وقناعته كوزير يجب أن تفتح دون أي اعتبارات سياسية وهذا يعود لفهمه أن العدالة الجنائية يجب أن تحقق ويعتبر السكوت عنها في فترة الوزراء السابقين كان غير جائز، ويؤكد السيد أن د.عوض جاء إلى الوزارة في وقت زمن تتحدث فيه الدولة عن ضرورة محاربة الفساد وهذه إشارة خضراء ليستقيم أمر العدالة الجنائية، وهذا يجعل مجهوده يصب في إطار إصلاح الدولة، ونحن معه ونؤيده رغم في الحكومة لأن تحقيق العدالة فوق الجميع وعن إمكانية إعاقة مجهود وزير العدل يقول السيد واضح إن الدولة إن لم تكن راضية عن الحديث عن الفساد، وهناك متاريس كثيرة ستفق في طريقه مباشرة وغير ومباشرة.
في هذا السياق يقول القانوني والقيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق الذي يتفق مع السيد في مدح وزير العدل ووصفه بالنزاهة ويزيد أنه غير محتاج للوظيفة، ويؤكد أبوبكر في حديثه لـ”الصيحة” أن ما يقوم به وزير العدل يأتي بمبادرة منه لكنها ستصطدم بعوائق عديدة قد تؤدي لاستقالته أو تنحيه إلا إن كان مسنوداً من الرئيس شخصياً، ويذهب أبوبكر في اعتقاده أن جهوده لا تصب في برنامج إصلاح الدولة لأنها لا تملك الإرادة الكاملة لأعمال الإصلاح لجهة أنها عبارة عن شلليات وبطانات تتواصى بالفساد والاقتناء من مال الدولة مع اصطحاب الاختلاف في ذلك, عن أن كان سيواجه عقبات أجاب هذا يعتمد على السؤال الجوهري هل الرئيس يريد مكافحة الفساد وتفكيك مجوعاته وعازم على ذلك، ووزير العدل نفسه هل مسنود بالرئيس أم بتركيبة الشلل الداخلية في الدولة والحزب، لكن الثابت أي محاولة إصلاح ستبوء بالفشل في ظل حكم الإنقاذ.
فيما ذهب رئيس منظمة الشفافية السودانية د.الطيب مختار أن العمل الذي يقوم به وزير العدل خليط بين أنه جاء بإرادة قوية للإصلاح لكن هذه الإرادة إن لم تدعم بإرادة سياسية، ولو بمقدار قليل ستتم معاكسته وإجباره على الاستقاله أو الابتعاد عن هذه الملفات، والثاني والوزير لا يزال أمامه شوط طويل للوصول للهدف الذي يريده وعليه إكمال فصل النيابة عن وزير العدل لتكون جهاز عدلي منفصل وإكمال مشروع قانون مكافحة الفساد ثم الدفع لقيام المفوضية نفسها بما يكفل الاستقلالية الكاملة والفاعلية في الأداء مع عدم إغفال ضرورة سن التشريعات التي تعكي مصادقة الدولة السودانية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وعن إمكانية تحاشي اصطدامه بما يسمى الدولة العميقة، قال مع توفر الإرادة السياسية ستتقلص مساحة حركة الدولة العمقية، مشيراً إلى أن وزير العدل في جهوده يجتاج إلى دفعة من قوى المجتمع المدني بكل تقسيماتها ومسمياتها وعليه أن يتحرك تجاهها لاستقطابها.
الصيحة