كره ونفور واستهجان (2)
لا أتعاطف مع ضحايا الدجالين، ولو كنت شرطياً وجاءني شخص يشكو من أن آخر سلب منه آلافاً مؤلفة بعد أن وعده بمضاعفتها الى ملايين، لما لقي مني سوى الشماتة: من أين كنت تريد لتلك الملايين ان تأتي؟ فعندما تقبل أن تعطي شخصاً خمسة جنيهات ليعطيك مقابلها 500 دولار، هل تسأل نفسك من أين سيأتي بتلك الدولارات؟ ولماذا تقبل مالاً لا تعرف مصدره؟ وإذا كنت تعتقد ان الرجل الذي يحول الآلاف الى ملايين صاحب «بركات» ولا يسرق النقود لأنه يخرجها بطريقة «غريبة» من نفس الغرفة التي تجلسان فيها، فأنت غشيم لأن تلك النقود مزورة أو ورق ملون.
وعلى احترامي الشديد للزميل التاج عثمان، وجهوده النبيلة لإغاثة المعسرين وذوي الحاجات، استغربت قبوله قبل نحو شهرين، نشر مناشدة من فتاة تستخدم سماعة طبية تعينها على الصمم، ودخلت يوماً ما في دردشة هاتفية مع شخص لا تعرفه، سرعان ما أبلغها أنه يقوم بتسويق هواتف جوالة «مضروبة»، وأنها لو ساهمت معه في «المشروع» ستكسب الآلاف، فاستدانت الفتاة بضعة آلاف، وحولتها لذلك الشخص، وبعدها لم تعرف له أثراً، ولسداد ديونها اضطرت لبيع «السماعة»، وطلبت العون لسداد ما تبقى عليها من دين وشراء سماعة.
التاج توقف عند كونها تعاني من إعاقة سمعية، وأنه «انضحك» عليها، فغاصت في الديون، وباعت سماعتها، ومن ثم ناشد الناس أن يقيلوا عثرتها، ولكنني توقفت عند أنها قبلت أن تكون طرفاً في بيع سلعة مغشوشة ومهربة، ومن ثم كانت الشخصية الوحيدة التي لم تحظ بتعاطفي، من بين آلاف الشخصيات التي سعى التاج لمساعدتها.
نحن في بلد يعتبر فيها الدجالون من أهل الكرامات والبركات، وجلبت كراهيتي المعلنة لهم عليَّ «اللعنات»، فقد كانوا يسمونني الولد المطموس والملعون والمسكون بالشياطين، وفي مدينة كوستي كان هناك رجل يجلس قرب «طاحونة عبد الكريم» ويزعم انه يحصن الناس بـ»حجاب» فلا يخترق الرصاص او السكين أجسادهم، وذهبت اليه مع بعض الأصدقاء طالبين «الحجاب الحاجز»، فقال إنه سيعطينا تخفيضاً خاصاً على أساس «سعر الجملة».
سألته: هل عرضت خدماتك على القوات المسلحة لتحصين ألف جندي ضد السلاح حتى ينهوا التمرد في جنوب البلاد في يومين؟ او يتوجهوا الى اسرائيل ويريحوننا منها؟ كان رده ان كل حَمَلة النياشين في الجيش السوداني محصنون بحجابات من إعداده، وأنهم نالوا النياشين نتيجة قتلهم العدو، دون التعرض لإصابات! هنا قدمت له اقتراحًا: سيعطيك كل واحد منا عشرة قروش وتحتفظ بحجباتك، وتعطيني سكينا أجربها على جسمك للتأكد من فعالية التحصين، فأخرج الرجل سكينا وأمرنا بمغادرة المكان فوراً.
في إحدى قرى محافظة الغربية بمصر، تتوافد النساء على امرأة اسمها فوزية، لمعرفة جنس الجنين، وتقول فوزية إنها تعرف جنسه بالمعادلة التالية: عدد أحرف اسم الحامل، زائدا أحرف اسم والدتها، زائدا عدد أيام الشهر الذي حدث فيه الحمل، زائدا عدد ايام الشهر الذي ستلد فيه، وإذا جاء الناتج عددا فرديا كان المولود ذكرا، واذا كان زوجيا جاء أنثى. ولم يسأل زبائنها البلهاء أنفسهم: إذا كانت معادلة تحديد جنس الجنين معروفة فما حاجتكم الى فوزية او كوندوليسا رايس (مع الاعتذار لعبد اللطيف البوني)؟
أصلاً لماذا تذهب الحامل لاختصاصي التشخيص بالموجات الصوتية (التي نسميها التلفزيون) لمعرفة نوع الجنين؟ فطالما لا سبيل لتغيير جنس الجنين فما الفائدة المرجوة من معرفة ما إذا كان ذكراً أم أنثى؟ والمولود أياً كان جنسه قطعة من لحمك ودمك وستحبه ان كنت شخصاً سوياً؟