مسؤولية الجميع
نختم موضوع الغناء الرديء الذي أخذ يسيطر على الساحة بمشاركات لعدد من الذين حاولوا المساهمة في الإجابة عن السؤال: (هل انتهى عصر الغناء الجيد؟) ومن بين هذه المشاركات ما بعث به إلينا الأخ والصديق الأستاذ عصام صالح عيسى من خارج السودان، وهو – للعلم – ابن دفعة واحدة في مرحلة الدراسة الثانوية، لذلك كان مدخله هو: (تخيل يا صديقي لو أن الأستاذين محمد عبد القادر كرف وبابكر دوشين كانا على قيد الحياة وسمعا أغنية من أغنيات هذا الزمن مثل “عكس الهوا”.. وغيرها).. ثم علق على ما كتبه عاشق الحقيبة وأحد محبيها الكبار الأستاذ علي محمود الترزي في أحد (القروبات) في تطبيق الواتساب، يحمل اسم (محبو الحقيبة)، فقال: (كَنت أتمنى أن أتفق مع ما كتبه الأستاذ علي الترزي في أن المسؤولية تقع على الشاعر والمغني.. لأنها لو كانت كذلك لأصبح الحل سهلاً، فالمشكلة ليست في هذين العنصرين الاثنين، بل في الذوق العام للجمهور.. وإذا كانت أغنية (أضربني بي مسدسك أملاني أنا رصاص) تقود مغنيها إلى ركوب الهمر، و(قائد الأسطول) تجعل شيخنا طه (بادي محمد الطيب) يرحل عن الفانية رقيق الحال كما دخلها، يصبح العيب في من يحتفون بالفاقد الفني ويجعلونهم نجوماً).
تقريباً كل المشاركات خاصة من الأساتذة أمير محمود, والفاتح محمود عمر، وأحمد هاشم, وعصام محجوب، أجمعوا على أن الخلل اجتماعي.. خلل في الذوق العام.
لكنني مع تأييدي لذلك الرأي أضيف عليه أن البحث عن أسباب الخلل هو أول خطوة للعودة إلى طريق الفن الحقيقي والغناء الجيد.. وللدولة دور كبير في تصحيح مسار الأغنية لأن التردي الذي حدث، كان نتيجة عدم الاهتمام بالغناء بدايات عهد الانقاذ، بل وتكوين لجان لـ(تنقية) الأغنيات من العبارات الخادشة للحياء.. تخيّل أن كل الإرث الغنائي الجيد كان به ما يخدش الحياء.
المجتمعات لا توقف نشاطها، والحركة الفنية تستمر لذلك ظهرت أغنيات المقاومة – إن صح التعبير – التي تحدت قرارات الحكومة والمتشددين، كأنما حاكت مرحلة ظهور أغنيات التم تم بعد أن ظهرت أغنيات الوسط منتصف ونهاية عشرينيات القرن الماضي، وهي ما عرفناه لاحقاً باسم أغنيات حقيبة الفن، لتصبح هي أغنيات الصفوة والمجتمعات الراقية، هي الأغنية المنضبطة المبتعدة عن الإسفاف والسوقية.. ولكن مع ظهور طبقات ثرية جديدة جرى المال في يدها خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ظهرت بالمقابل أغنيات هذه الطبقات والفئات الجديدة التي تعبر عنها، فكانت أغنيات التم تم.. مثل (البنسلين يا تمرجي) و(العجب حبيبي) و(نادوا لي حنوني) وغيرها.
لكن (تم تم) ذلك الزمان يعادل منتهى آمال الحادبين الآن على تنقية الأغنية السودانية لتزدهر من جديد.