“السيسي” والأمن
شاهدت مقاطع لفيدوهات بثتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي لرحلة د.”التجاني سيسي” رئيس السلطة الإقليمية بدارفور لثلاث ولايات دارفورية هذا الأسبوع، المقاطع تكشف جانباً من وحل عربات “السيسي” في وادي أزوم وكجا حيث لا تزال مياه الأمطار متدفقة من أعالي جبل مرة نحو مستقرها في داخل دولة تشاد التي تحصد مياه السودان الفائضة عن حاجته بدارفور، كما يعتقد البعض ،ولكنها مياه عجزت الحكومة السودانية من الاستفادة منها.. سيارات الدفع الرباعي التي أقلت وفد “التجاني سيسي” غاصت في الطين وتعطلت الرحلة التي بدأت من زالنجي إلى محلية أم دخن على الحدود مع الجارة تشاد لإطفاء بؤرة وشرارة نزاع أندلع بين المسيرية والسلامات.. وتمر الرحلة بين زالنجي وأم دخن بأودية شديدة الوعورة ومناطق كان التمرد قبل سنوات يعتبرها مناطق محررة أي خارج سيطرة حكومة السودان.
ومن أم دخن في أقصى الحدود الغربية أتجه ركب “السيسي” إلى ولاية جنوب دارفور عبوراً بولاية غرب دارفور أياماً وليالٍ أمضاها مساعد الرئيس في القرى والفرقان حتى بلغ منطقة برام في أقصى جنوب دارفور وقريباً من الحدود مع دولة جنوب السودان، لم يعبر “السيسي” تلك البقاع الشاسعة على ظهر دبابات ومجنزرات.. بل حراسات عادية يقودها مساعد “السيسي” لشؤون الأمن “يسن يوسف” وقيادات السلطة الإقليمية “الشرتاي أزهري شطة” و”جعفر منرو” وكلاهما متمردان سابقان يعرفان تفاصيل ودروب دارفور حتى زيارة جبل مرة التي أثبتت (عملياً) إن د.”التجاني سيسي” هو من يقود دارفور الآن وليس “عبد الواحد محمد نور” المقيم في باريس، ولكنه استطاع استمالة معسكرات النازحين دون وجه حق مستغلاً ضعف قيادات دارفور التي كانت تتولى السلطة في السنوات الماضية ،وخوفها من المعسكرات أو تواطؤها مع التمرد سراً ومحاربته علناً.. كان يمكن لـ”السيسي” أن يطلب طائرة مروحية رئاسية من القصر لـ(يطير) فوق القرى والفرقان والمعسكرات ويهبط في رئاسات المحليات مستمتعاً بحشود الجماهير التي تستقبل كل من يأتي إليها.. ويخاطب “السيسي” الجماهير وأمامه علب الورق لإزالة العرق من جبينه.. ومياه الصحة التي تأتي من الخرطوم.. لكن “السيسي” أتخذ منهجاً مغايراً في متابعة الأوضاع بالبر كما كان يفعل المفتش الإنجليزي والإداريون الأوائل الذين وضعوا لبنات الدولة الحالية بالطواف الميداني ومخاطبة الناس كفاحاً ومعايشة مشكلاتهم واقعاً.. وما نجحت ثورة مايو إلا بفضل عطاء “جعفر نميري” الميداني الذي كان يركب القطار وسيارات اللاندروفر ويمضي أياماً وليالي يطوف القرى والمدن يرقص مع الفتيات الدرملي والنقارة والطمبور.. وما نجحت وارتبط بها الناس أيام مجدها وصباها إلا لأن الرئيس “البشير” كان يتحدث للناس في الزيارات كفاحاً يقترب منهم فاقتربوا منه.. واليوم حينما ابتعدت الإنقاذ عن الجماهير.. كان حصاد المؤتمر الوطني في الانتخابات بولاية الخرطوم حصاداً بائساً وكسباً بقدر ابتعاد القيادة عن الجماهير.. ولكن د.”التجاني سيسي” يضخ الآن أوكسجين الحياة في جسد الحكومة المتعب.. ويثبت للمتربصين باتفاقية الدوحة إنها حققت نجاحات كبيرة ليس على صعيد مشروعات الإعمار وإعادة التوطين فحسب بل على صعيد الأوضاع الأمنية التي تعيشها دارفور حالياً بفضل عمليات الصيف الحاسم وبعطاء قوات الدعم السريع وقائدها وملهمها العطاء العميد “حميدتي”.. وهاهي ثمرات اتفاقية الدوحة قد أتت أكلها وأصبح مساعد الرئيس يطوف بالبر في فصل الخريف على محليات وادي صالح وأم دخن وزالنجي.. وبرام وعد الفرسان لتنتهي أسطورة التمرد وبكل أسف هناك مسؤولون في الحكومة المركزية لا يصدقون ما يحدث حالياً في دارفور، بل إن الإعلام الحكومي تقاصرت همته عن الحديث ولو من على البعد عن الذي يحدث في الإقليم الذي يتعافى الآن من الحرب والصراعات القبلية.. وتسود مناطق عديدة الطمأنينة بفضل عطاء رجال مخلصين مثل د.”التجاني سيسي” الذي يثبت كل يوم إنه رجل دولة جدير بالتقدير.