منى ابوزيد

في الشمس والظل ..!

«نصف المعرفة أشد خطراً من الجهل» .. عبد الرحمن منيف ..!
(1)
يوغسلافيا السابقة ذات التنوع العرقي، والتنافر الطائفي، هي التي انتجت مصطلح «البلقنة» الشهير، والذي أصبح يعني في قواميس السياسة «التنوع العرقي المتنافر والمائل إلى الانفصال!» اضطراب يوغسلافيا السابقة وتفكك عراها كان سببه الرئيس محاولة جمع تلك الأعراق المتنافرة «عنوة»، مع استئثار فكر سياسي – بعينه- بالسلطة.. العبرة السياسية تقول إن دولة متعددة الأعراق مثل هذا السودان تحتاج لضمان تماسكها أن يزاوج نظام حكمها بين الديموقراطية والفيدرالية – أن يُزاوج بينهما لا أن يَزُج بهما ! – تلك المزاوجة هي الخيار الأفضل لتفادي إشكالات العرقية البغيضة .. يوغسلافيا وقعت في سوء التطبيق بينما ضربت سويسرا والهند أنجح الأمثلة في ذلك.. إذاً الفيدرالية الحقة تبقى الصيغة السحرية لصناعة أنشوطة واحدة وقوية، من عقد الحبال المختلفة.. بخلاف ذلك سوف تبقى نبوءات المعارضة ووعود الحكومة وجهين غائمين لخيبة وطنية واحدة ..!
(2)
أين نحن من صور الحداثة الاقتصادية التي تراجعت معها وبفضلها النظرة التقليدية لفكرة الاستثمار – كما تراجعت ريادة الشعر العمودي بظهور قصيدة النثر – والتي هي اليوم سمة غالبة على قوالب الاستثمار العالمي؟! .. دعك من تَرَف الخلق والإبداع في مجال الاستثمار بكل قماشاته الجيِّدة، وانظر في معدلات نجاح اقتصادنا في المدرسة التقليدية، ستجد أن عائداتنا من صداع البترول لم تتجاوز نصف دخل الفلبين من تطوير اللغة الإنجليزية، ثم ارجع البَصَر كرتين، وعندها ستجزم بأن «سجمنة» الشخصية السياسية السودانية هي أكبر حجار عثرات قوافل الاستثمار في هذا البلد! .. هي لعنة التركيز على قضية واحدة، لابد أن نعترف بقصور إستراتيجياتنا في تحقيق عدة أهداف تنموية مختلفة في وقت واحد ..!
(3)
في دولة مثل الفلبين تُعتبر إجادة اللغة الإنجليزية استثماراً هائل المردود، حيث تتخذ معظم الشركات العالمية من الفلبين مقراً لموظفيها المنوط بهم الرد على استفسارات العملاء، فأجور العمالة المحلية عندهم زهيدة إذا ما قورنت بالأجور المعتادة في مسقط رؤوس تلك الشركات، وقد بلغت عائدات الفلبين السنوية من هذا النوع من الاستثمار – في دراسة حديثة – أكثر من ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار أمريكي! .. وفي البرازيل يعتبر حاصل جمع ضرائب دخول لاعبي كرة القدم تِرْساً فاعلاً ومؤثِّراً في عجلة الاقتصاد البرازيلي.. أما في في الأردن بلغت عائدات السياحة الطبية من معالجة المرضى القادمين من هذا السودان قرابة النصف مليون دولار أمريكي.. وفي مصر بلغت عائدات السياحة – قبل الثورة – خمسة عشر مليار دولار .. ونحن ما نزال نتحدث عن عائدات التعدين بعد ذهاب البترول ..!
(4)
علاقة الشعوب الأفريقية بأحكام العالم الانطباعية تشبه علاقة جلودهم بحرارة الشمس.. في «كيف» تأثيرها عليهم و»كم» اقترابهم منها.. من اكتساب لون البرونز.. إلى سواد الأبنوس.. إلى الاحتراق.. فالتفَحُّم! .. في مناخنا السوداني المُشمس، مثالب شعبية تقف حجر عثرة أمام تحقق المنجزالوطني/السياسي/الاقتصادي/الرياضي.. تلك المثالب هي التي تجعل سلوكنا الدولي معيباً في عيون الآخرين.. أحكام انطباعية كثيرة تقول إننا شعب «يصرف عربي».. ويرقص على الإيقاع الأفريقي.. وإذا دعا داعي العمل «يعمل نايم»! .. قبل الاجتهاد في تدبيج الردود على تلك الاتهامات،لا بد أن نعترف أولاً بمسؤوليتنا عن أي «تمييز دولي» نُجابه به عند تقييم سلوكنا الرسمي قبل الشعبي.. فهل من مُذَّكِر ..؟!

تعليق واحد

  1. يا استاذه ما قلتيه عين الحقيقة لكن كيف لنا بتغير الحال المائل ، كلنا كسودانيين نعرف عيوبنا وتقصيرنا لكن كيف لنا بمعالجة هذه المثالب ، وتعديل البخت المائل ، ،،