أنا أدرس في جامعة مختلطة كيف أتعامل مع المرأة المتبرجة عمومًا ؟
التعامل في الجامعة
السؤال:
السلام عليكم.. أنا أدرس في جامعة مختلطة، وربما في بعض الأحيان أحتاج لطرح سؤال على الأستاذة المتبرجة أو المحجبة فهل يمكنني ذلك؟ وفي بعض الأحيان أريد أن أطرح سؤالا على أستاذي لكن أكون قد ارتكبت إثمًا فأخاف من تأثير هذا الإثم فلا أطرحه وأريد أن أعرف كيف أتعامل مع المرأة المتبرجة عمومًا، إذا رأيتها هل أبقى مبتسما أم أعبس وهكذا؟ وفي بعض الأحيان آتي مبكرا للجامعة فأجلس في طاولات طويلة، وربما تجلس بقربي فتاة فهل يمكنني أن أضع كتابًا قربي فإن سألتني أقول المكان محجوز.. وجزاكم الله خيرًا
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالاختلاط من رديء العادات التي جلبت إلينا ـ نحن المسلمين ـ من قوم غضب الله ولعنهم، وروجها بيننا أناس من بني جلدتنا ممن لا خلاق لهم؛ تحت دعوى أن الاختلاط يهذب المشاعر ويرقي العلاقة بين الجنسين، إلى غير ذلك من الترهات والأباطيل التي لا يشك عاقل في كذبها، وقد أثبت الواقع أنها هراء؛ إذ إن البلاد التي طبق فيها الاختلاط من زمان بعيد قد زادت فيها نسبة جرائم الاغتصاب وأولاد السفاح وغير ذلك من الموبقات.
ولا يخفى على كل مسلم أن نصوص الشريعة قد جاءت آمرة بالمباعدة بين الرجال والنساء؛ حتى في الصلاة جعل للنساء صفوفاً غير صفوف الرجال، وأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها، وفي المسجد جعل للنساء باباً مخصوصاً حين قال للصحابة رضي الله عنهم {لو تركتم هذا الباب للنساء} وكذلك في الطواف أمر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أن يطفن من وراء الناس، وهكذا في تشريع مضطرد معلوم.
والاختلاط في الجامعات لا شك أنه مفضٍ إلى شر عظيم، وقد فرضه في بلاد المسلمين وحرص على استمراره من لا يرجو لله وقاراً، والواجب التعامل معه بما يرضي الله تعالى: ببيان مخالفته للشرع المطهر، والتحذير من التمادي فيه، والمطالبة بتغيير هذا الواقع عن طريق نصيحة من ولاهم الله الأمر ومكاتبتهم ((معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)) ثم ببيان الأدب الذي يلزم المسلم والمسلمة في تلك الحال من غض البصر والحرص على التخلق بالحياء الواجب ومعرفة الحدود الشرعية في تعامل الرجال مع النساء، وأن ينزل الطالب زميلته منزلة أخته من نفسه فلا ينالها بسوء، وأن تلتزم المسلمة بالزي الساتر الذي أمر الله به، وأن تجتنب الزينة والتطيب، وكل ما يلف أنظار الرجال أو يكون سبباً في افتتانهم بها.
ومعلوم أن خلوة الرجل بالمرأة – لأي غرض – محرمة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله {لا يخلون رجل بامرأة إلا مع محرم} وإخباره بسوء العاقبة حين قال {لا يخلون رجل بامرأة غلا كان الشيطان ثالثهما} فاحذر – أيها السائل- من أن تضع نفسك في مواضع الريبة وأن تجعل للشيطان عيك سبيلًا.
فالطالب أجنبي عن الطالبة، لا يجوز له أن يخلو بها ولا أن يصافحها ولا أن ينظر إليها نظرة شهوة، بل ينبغي له أن ينزلها من نفسه منزلة أخته؛ فيحب لها ما يحب لأخته ويكره لها ما يكره لأخته؛ فيكون تعامله معها قائماً على المعاني التي تقتضيها الرجولة والشهامة والديانة من غوث الملهوف وإعانة المحتاج ونصرة المظلوم والدفاع عن العرض؛ مع التحلي بآداب الإسلام في غض البصر وصيانة العرض والذود عن الحريم، وهذه صفات كان أهل الجاهلية يتمادحون بها؛ حتى قال قائلهم:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وليس بمؤتمن ذاك الذي يهتبل وجود الطالبة معه ليمارس معها ما لا يرضاه لأخته من الغزل والهزل وتبادل كلمات الحب والغرام، أو ملامستها وممازحتها ومحاولة التعدي على عرضها مع بذل الأماني العاطلة والعواطف الكاذبة لها؛ وقد قيل في صنيع هذا وأمثاله:
يا هاتكاً حُرَمِ الرجال وقاطعاً سُبُل المودة عشت غيرَ مكرَّم
لو كنت حراً من سلالة ماجد ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم
وعلى الطالبة أن تتقي الله ربها وتلتزم أحكام دينها؛ لئلا تكون فتنة للناس وحبلاً من حبائل الشيطان، فعليها أن تغض بصرها وتلزم حجابها وعفافها وحياءها، ولا تبدي زينة ولا تضرِبَ برِجلٍ ولا تخضع بقول فيطمع الذي في قلبه مرض، بل تكون خفيضة الصوت كثيرة الصمت ظاهرة الحياء في هيئتها ومشيتها وملبسها؛ لتنال احترام الطيبين الصالحين، ويهابها أهل الشر من المفسدين.
وعلى كل عاقل من الجنسين أن يسد الذرائع المفضية إلى ارتكاب الحرام، وأن يوصد الأبواب التي يمكن أن يلج منها الشيطان؛ فإن الشيطان قد يأتي للطالب أو الطالبة من باب من أبواب الخير في ظاهرها؛ فيقول: ما الخطب فيما لو شرحت لها درساً أو شرحت لك مسألة؟ وهكذا يزين لهما الاختلاط من هذا الباب، وقد علم كل عاقل أنه يمكن للطالبة أن تشرح لزميلتها كما أن الطالب يمكنه الاستعانة بزميل، وكذلك التواصل عبر الفيسبوك وغيره من الوسائط الحديثة فتح أبواباً للشر عريضة، وخير لمن أراد السلامة والنجاة أن يسد تلك الأبواب، والله الموفق والمستعان.
فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم