الذاكرة المستباحة (1)
منذ ستين سنة والفلسطنيون يحاولون تهريب ذاكرتهم ، لا يدرون أين يمضون بها ، فهي ككلّ ما يملكون معرّضة للسطو من قبل” إسرائيل “. هل مازالت ذاكرتهم تُفيدهم في شيء غير عذابات الحنين التي يتوارثونها جيلاً بعد جيل؟ .
في بداية السنة الدراسيّة الجديدة ، ألزمت إسرائيل المدارس الأهليّة بالقدس وعددها 42 ، يتعلّم فيها 22985 طالباً، بتدريس المناهج والكتب الصادرة عن دائرة المعارف الإسرائيلية. ما يعطيها حق شطب وفرض ما تشاء . وهدّدت بإغلاق المدارس التي لا تلتزم بذلك ،وفصل مديريها ومدرّسيها. ما اضطر بعض المدارس إلى الرضوخ لهذا الإجراء تحت الضغط والتهديد ، وتدريس تلاميذهم ما يدرون أنه تزوير للحقائق والتاريخ .
تصوّروا عذاب أستاذ فلسطيني يجد نفسه ،هو الأمين على الذاكرة ، وهي أخطر المسؤوليات على الإطلاق ، يُلقّن تلاميذه يوميًا سمّ الأكاذيب التاريخية، التي تجعل منهم لُقطاء التاريخ ،و تجرّدهم من هويّتهم ،ومن أيّة مناعة وطنيّة ، وإلاّ خسر وظيفه ،وفقد بالتالي إمكانيّة الصمود ومواصلة العيش في القدس .
إنه دهاء إسرائيل ، الذي يجعل الأستاذ الفلسطيني ينوب عنها في تدريس ما تشاء من أكاذيب ، وعامل البناء الفلسطيني يعود إلى الأرض الذي سُلبت منه ليبني بيديه بيوت من طردوه منها ، والنساء الفلسطينيات لفقرهن ، يخطن الأعلام الإسرائيلية ،تلك التي سنحرقها لاحقاً في المظاهرات ، كلّما أقنعونا في الخطب العصماء ، أنّ إسرائيل هي عدوّنا الوحيد . بينما في كل بلد عربي غدا لنا عدوا بديلاً ، ينوب عنها في القتل والتدمير . ( يتبع )