الطريق من هنا
من جملة ما ضخته صحافتنا المحلية في الأيام الفائتة، رأيت أن أتوقف عند خبر واحد يتيم يستحق وحده الاحتفاء، ذتلك لأن بقية الأخبار مجتمعة تأتي في سياق إنتاج ثقافة (طواحين الهواء)، التي طالما أصبحت هي شغلنا الشاغل، على أن الخبر الذي أحرز المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية مصدره مدينة كريمة، العاصمة التجارية للولاية الشمالية، يقول الخبر البشارة.
لقد أعلن عن إعادة تشغيل مصنع خضر وفاكهة كريمة، لطالما هتفنا في المحافل والمواكب والمنابر بالعودة والتوسع في أدبيات (الصناعات التحويلية)، على أن ثرواتنا الإنتاجية الهائلة تضيع وتتلف لعدم وجود مصانع تحويلية حفظية، فنحن – يا رعاك الله – تلك الأمة التى تدفع بمحصول مثل الطماطم إلى الزبالة في أوج أيام المواسم عندما تصبح الصفيحة بجنيهين إثنين، ندفع بهما إلى مكب النفايات، ثم نذهب إلى السوبرماركات الحديثة لنشتري علب الصلصة المستوردة بالعملات الأجنبية الصعبة، ونحن يومئذ أغبياء لدرجة تراجيديا (امرأة بقال) الشاعر أحمد مطر التي تقول:
حلب البقال ضرع البقرة ملأ السطل واعطاها الثمن
قبلت ما في يديها شاكرة لم تكن أكلت منذ زمن
قصدت دكانه مدت يديها بالذي كان لديها واشترت كوب لبن
وما يحدث إلى العزيزة الطماطم يحدث إلى السيد البصل والبطاطا والمانجو والبلح والليمون والموز والبطبخ والألبان، وبقية المنتجات التي ينهار سعرها في عز الموسم، ومن ثم تنتهي إلى مكب النفايات، وكان بقليل من الخيال والمال إلزام الولايات بإقامة صناعات تحويلية لحفظ هذه الثروات الوطنية الهائلة وتوظيفها بل وتصديرها، كل ولاية حسب نوعية إنتاجها.
* هل تعلمون أن بعدم امتلاكنا لمخازن الحفظ المبردة وفق المواصفات المطلوبة من جهة، ومن جهة أخرى عدم ذهابنا في عمليات الصناعات الغذائية التحويلية، نضيع على بلاد (النيل والشمس والصحراء) ثروات هائلة جدا، غير أن خسارتنا الأكبر هي المزارع نفسه الذي لم نجعل له حماية عند انهيار الأسعار !!
* على أن الذي نحتفل به الآن، مصنع خضر وفاكهة كريمة، هو ليس من إنتاج عبقرية هذا الجيل من الولاة والمحافظين، بل إن غاية جهد جيلنا هو محاولة إعادة إنتاج وتشغيل مصنع
شيد في منتصف القرن الماضي !!
* تحضرني طرفة للمرحوم الرباطابي، فقد سأله ابنه ذات يوم وهو يشير إلى حشرة الكربة، وهي بطبيعتها تمشي مسرعة، يابا يابا دي بتعضي، قال الوالد “هي دي فاضية من الجري” !!
وهل نحن في المقابل (فاضين) نخرج من صندوق انتخابات إلى مؤتمرات إلى سمنارات وورش السياسات، لن يُكتب لهذه الأمة تاريخ جديد ورصين إلا بعد أن نخرج من (ألغام السياسة) إلى حقول الإنتاج !!
* مخرج.. بينما ترى بعض النخب أن المخرج من أزماتنا المرحلة المزمنة، يكمن في ثقافة الحوارات والقاعات التي لم تنجح حتى الآن في تغيير القناعات!! نرى في المقابل دائما بوجوب توفير الوقت والجهد، على أن أنجع الطرق للوصول إلى محطات السلام والاستقرار، يكون عبر الحوار مع قضايا المواطنين، (حوار الأرض البور البقع).. لنهتف من جديد (حا تلف ماكينات المصنع).. بالإنتاج ثم الإنتاج ونحن بين يدي الموسم الشتوي.. ولنا عودة بحول الله وقوته.