يوسف عبد المنان

التقييم أم التقويم (2)

* إذا كان التيار المتنفذ والمتربص بالحكم الاتحادي له رؤيته في السيطرة على الولايات بالتعيين من مستوى الوالي وحتى المعتمد في أقاصي الدنيا وتقليص المحليات.. وقد هب الإعلام الذي يتم تجييره في هذه الحالات (للنفخ) في ما يعتبر في نظر البعض سلبيات، بالحديث عن الصرف البذخي وإهدار الموارد في شراء العربات الفارهة، لأن هؤلاء يستكثرون على معتمد “حلفا القديمة” أو “أمبرو ” في أقاصي دارفور أو “صقع الجمل” في أطراف كردفان الغربية ، أن يمتطي سيارة (اللاندكروزر) ويطوف بها على القرى والفرقان، يمشي بين الرعية في ثوب السلطان.. ويكثرون من الحديث عن (إعاقة) المواطنين للاستثمار في الأراضي الزراعية، وأن الحكم الاتحادي قد بعث الجهوية والقبلية من مرقدها.. وأن تعيين “آدم جماع” القادم من الفاشر “أبو زكريا” ، حاكماً على كسلا، وذهاب المهندس “علي العوض” من كسلا حاكماً على دنقلا، وذهاب “خليل عبد الله” من “سنار” حاكماً على الجنينة، دار أندوكا ، من شأنه قمع الجهوية وإحياء روح القومية وبعث “منقو” من قبره.. وإحياء “ود جفيل” مرة أخرى ، مع أن هؤلاء مجرد موظفي دولة لا يملكون من أسباب توحيد الأمة السودانية و(لا ديناميكية) الصراع تنطلق من فرضية كشف الولاة الموحد، وكشف الضباط الإداريين الموحد، وكشف الأطباء الموحد.. ثم من بعد ذلك كشف المعلمين الموحد ، من شأنه إعادة السودان لماضٍ بعيد حينما كان مفتش “كتم” الذي جاء بعد مستر “مور” هو الذي يسوس الناس بالعدل والقسط والإحسان.
* من حق الناس الانتفاع بخيرات أرضهم ولا تملك وزارة المعادن حق مصادرة التعدين الأهلي ولا يتطلع أدروب في جبال البحر الأحمر للتنقيب عن الذهب لأعماق بعيدة.. ولا هو “د. صابون” الذي أقام الدنيا وشغل الناس.. ولا تستطيع الرؤية المركزية القابضة أن تنزع الأراضي الزراعية المملوكة للمواطنين بشهادات بحث حكومية أو بشهادة بحث اجتماعية يقرها الأهالي، ولا بحق تاريخي موروث مثل حق قبيلة حمر في أرضها التي دفعت ثمنها مليارات الجنيهات لـ”المقدوم مسلم” حاكم كردفان حينذاك، وهو بطبيعة الحال يمثل حكومة السودان.. مثل هذه الحقوق لا تنتزع بقرارات فوقية ولا مشكلة الاستثمار في بلادنا في المنازعات حول الأرض بقدر ما ان سبب ضعف الاستثمار يعود لنهب الموظفين الحكوميين للمستثمر الأجنبي وإرهاقه بدفع الرشاوى، وليس الموظفون الصغار وحدهم، هناك طبقة من الحكام الفاسدين يمارسون (السمسرة) وإدعاء الوصل بمراكز القرار، هؤلاء يقبضون على المستثمر منذ خروجه من بلاده ينفقون عليه الأموال، ويركبون الفارهات وينالون منه المليارات و(يفكونه) عكس (الهواء) . هؤلاء هم غول الاستثمار، والفئة التي تجهض أي استثمار أجنبي في السودان.
* قد لا تشكل قضية تعيين الولاة مشكلة كبيرة والرئيس يملك حق تعيين جهازه التنفيذي حتى لو كان من محلية واحدة في السودان، تلك ليست القضية، ولكن القضية لماذا يتضخم الجهاز المركزي للسلطة، وكيف تصبح هناك وزارة للشباب والرياضة مركزية؟؟
ووزارة الصحة مركزية ووزارة المعادن مركزية ووزارة الزراعة مركزية؟؟ ما هو دور هذه الوزارات؟؟ وما جدواها، ولماذا لا تذهب جميع سلطاتها إلى الولايات وتنزل إلى المحليات.. على أن يصبح المعتمد في المحلية هو السلطة الحقيقية، ويتم اختياره بالانتخاب الحر الديمقراطي.. وماذا يضير الرئيس إذا كان معتمد محلية (همشكوريب) من حزب الأسود الحرة، ومعتمد (أم دورين) من الحركة الشعبية، ومعتمد (أم دخن) من حزب الأمة، ومعتمد (مروي) من حركة الإصلاح الآن؟؟
إن تجربة الحكم الاتحادي تتعرض الآن لاختبار حقيقي ما بين بسط السلطة للولايات والمحليات وقبضتها والسيطرة عليها مركزياً.