هل أكلت؟
وقف الشيف الكوري الجنوبي جين كيونغ سو في المطبخ، في ثوب أبيض ناصع وقبعة ونظارة عصريتين، ووضع اللمسات الأخيرة على شريحة لحم مع صلصة التين. ثم طفق يقدم خدماته إلى نحو سبعة من الرجال الجالسين حول الطاولة التي أمامه، وهم يرددون: “إنَّا لا نتعب من تناول هذا”.
علق الممثل الكوميدي المعروف (تشو سي هو)، وكان واحداً من أولئك الذين على طاولة (جين)، قائلاً: هذا يجعلني سعيداً للغاية، هذا الطعام يثيرني. وأضاف: في الواقع الكوريون يحبون الأكل بجنون، إلى حد أنهم، عندما يحييون بعضهم، لا يقولون: كيف حالك؟ ولكن: هل أكلت؟.
أكثر من ذلك، فالكوريون يحبون تناول الطعام معاً، بشكل جماعي ويعدون ذلك حدثاً مهماً يستحق العناية، لأنهم ومع التطور التقني المذهل صاروا من أكثر الشعوب التي تتشارك الأكل أمام الكاميرات، ويطلقون على هذه الظاهرة (mokbang)، أي نقل عملية تناول الطعام (على الهواء مباشرة).
أمر آخر، لابد من الإشارة إليه، خطفاً، وهو أن المجتعمات الكونفوشيوسية، وضمنها (الكوري الجنوبي) – بالتأكيد- تعد اشتغال الرجال في المطبخ (بدعة) قد تكلفهم خسارة رجولتهم بين المواقد والطناجر والمقالي والمشاوي.
أعلاه، مترجم بتصرف، من (فيتشر) منشور في عدد أول أمس من يومية الـ (واشنطون بوست) الأميركية، كتبته الصحافية الشهيرة (آنا فلفيلد).
أسباب كثيرة حفزتني لاستحضاره واستدعائه إلى (الخرطوم)، لكن أهمها على الإطلاق هو ما اخترته عنواناً لهذه (الكتابة)، أذهلتني تحية الكوريين الصباحية، فبينما نردد نحن دون كلل أو ملل (كيفك، تمام، الحمد لله والله، كيف الشغل والعيال، الأخبار)، وما شاكلها من تحايا، إذا بشعوب أخرى تسأل عن أشياء مهمة جداً (هل أكلت؟)، فيا لها من تحية تنطوي على أبعاد إنسانية واقتصادية واجتماعية وتعاضد وتضافر فريد.
هل أكلت؟ لو كانت هذه هي تحيتنا لما بات بيننا جائع، ولا مريض لا يجد ثمن العلاج، فإذا حييت أحدهم بعبارة (هل أكلت؟)، يمكن أن يجيبك، نعم، لكنني مريض، ولا أملك ثمن الدواء، فتحاول أن تجد له سبيلاً إلى ذلك، أن تساعده.
بطبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن ينكر – إلا جحوداً – بأن الطعام والشراب والمأوى والملبس والعلاج، تمثل الاحتياجات الأساسية للإنسان، فإذا سألت أحدهم (هل أكلت)؟ يمكنه أن يختصر عليك الأمر ويجيب، لا ليس بعد، فتأتي له بساندوتش أو طبق كسرة أو قراصة أو عصيدة، لكن يمكنه أن يجيبك: أكلت، لكنني لم أنم جيداً بسبب البرد، لا أملك بطانية!!
إنها تحية تنفتح على إمكانية التعرف على أحوال المجتمع كله، بكافة شرائحة، فتعطي مؤشرات لحقيقة الأوضاع المعيشية للمواطنين، خاصة في ظل الارتفاع المضطرد لأسعار الغذاء في السودان.
أيتها الحكومة، هل أكلت؟ أيها المواطنون: هل أكلتم؟.. نسأل، على الطريقة الكورية، فيأتي أحدهم، ليجيب الأولى أكلت، أما المواطنون فحالهم يغني عن سؤالهم. ونضع نقطة وننصرف.