كنَّا بنهتف بالأوطان
أسباب كثيرة تجعلنا نحث كثيراً على الإحتفاء بذكرى ثورة أكتوبر 1964، فليس الاحتفاء يعني فقط إذكاء نار الثورة وتغذيتها وبعث روحها من جديد كما تتخيل الحكومة حين تهمل الاحتفاء بذكرى ثورة أكتوبر أو كما تتخيل قوى المعارضة وهي تحيي بالمقابل ذكرى ثورة أكتوبر لدعم مشروع الثورة المفترضة ضد نظام الحكم القائم في السودان حالياً .
هذا فهم محدود جداً لمعنى الثورة وقيمتها كثروة حضارية عظيمة في تاريخ الشعب السوداني وشاهد على مرحلة مبكرة من مراحل الوعي والروح الوطنية وقوة وإرادة شعب السودان على التغيير وعلى تحديد خياراته وتصحيح مساراته الوطنية .
وربما شعرت الحكومة بثمن هذا الخطأ، حين اندلعت ثورات الربيع العربي وبدأت هناك حالة استدعاء تاريخي وترتيب توثيقي في المنابر العربية لقائمة الشعوب العربية الثائرة.. الرائد منها والسابق واللاحق، توثيق وتفاخر بقيمة الثورة وقيمة السبق فيها والريادة .
حينها قلنا ياليت ثوراتنا الشعبية التاريخية في السودان كانت علامات بارزة على لافتات مطار الخرطوم وشعارات الدولة وأعلامها وليست مجرد أناشيد وأشعار داخل أسطوانات مدمجة بالارتياب وبالحسابات السياسية والرؤية القاصرة لها ومركونة على أرفف مكتبات الإذاعة والتلفزيون .
لقد تحولت الثورة عندنا الآن إلى مجرد نشيد أو أغنية نستمع إليها في الخفاء ونمارس إحساسنا بها سراً.. والثورة فينا وبكل الأسف صارت مناسبة باهتة الحضور يتجنب الكثيرون ارتياد مقهاها السياسي المشبوه.
لذلك علينا الآن أن نفرغ معنى الثورة من أجندة الحلم المتسكع تلك، ونملأ كوبها بالمعاني الأعمق والقيمة الأعظم لها.. علينا أن نقوم بدراستها وتحليلها بعمق، ونبحث في كيفية استعادة الذي ضاع منها وأعني ما فقدناه من حس قومي سوداني كمفهوم ومنطلق ودافع لحراكنا الوطني العام .
لن تنجح محاولات استحضار ثورة شعبية قومية سودانية جديدة في ظل ضياع الحس القومي في الشارع السوداني، وضياع هذا الحس القومي في السودان ليس مسؤولية الحكومة وحدها بل هي مسؤولية كل النخب السياسية التي حاولت أن تسلك (شارع الهوا) وتراهن على القبلية والجهوية والمناطقية في تحقيق أهدافها وممارسة نزواتها فينا .
لم يعد هناك شارع سوداني قومي خالص في توجهاته القومية ودوافعه ومنطلقاته، حتى يحلم من يحلم أو يحلم تحالف قوى الإجماع باندلاع ثورة أكتوبرية جديدة من داخل ندوة الجامعة الأهلية أو من ميدان أبوجنزير مثلا.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.