حقوق الإنسان قضيتنا جميعاً.. ولكن
في مقالنا أول أمس حاولنا إبراز العظة والدرس المستفاد من خذلان الوفد الأمريكي للمنظمات المعارضة وتوافقه مع السودان في رؤية ومشروع جديد يتراجع به عن مطلب بوضع السودان تحت البند الرابع ويطالب بإبقائه تحت البند العاشر مما لا يعني فقط انتصار الجهود السودانية ونجاحها لكنه يعني أيضاً التوصل إلى توافقات جيدة مع أمريكا أو غيرها والتوافق على خطط جديدة تحقق حالة أفضل لحقوق الإنسان في السودان.. طالما أن الموضوع هو (حقوق إنسان) وليس أمراً آخر .
لأن حقوق الإنسان ليست قضية سياسية خاصة بالمعارضة، بل هي قضية إنسانية وحقوقية وأخلاقية وحضارية وشرعية أيضاً.. وهي قضيتنا جميعاً، ولذلك فإن تسييسها يضر بها أكثر مما ينفعها، بمعنى أنه لو تحول ملف حقوق الإنسان إلى ملف سياسي وكرت من كروت الضغط بيد المعارضة السياسية فإن تلك المعارضة لن ترجو لأوضاع حقوق الإنسان أن تنصلح وترتقي لأنها وببساطة لو ارتقت إلى درجة نموذجية فإن هذا سيعني فقدان تلك القوى لكرت ضغط سياسي فعال وضياعه من يدها .
ولذلك فإن أي نوع من التبني السياسي لقضايا حقوق الإنسان يساهم في تفاقم وتراجع حالتها حتى ولو بشكل متعمد ومصطنع أحياناً، خاصة وأن هذه القوى المعارضة في السودان تعاني من وهن سياسي وجماهيري وليست لديها كروت الضغط المؤثرة الأخرى، مما يجعل قضايا حقوق الإنسان فرصة وبديلا جاهزا للاستخدام ..
الحقوقيون المحترفون في كل أنحاء العالم لا يتفاءلون إطلاقاً بتبني المعارضات السياسية للقضايا الحقوقية بهذا المنطق وبحسب تجارب ماثلة ومتكررة في الكثير جداً من دول العالم .
كما أنه ليس هناك حرج بالنسبة للحكومة من الإقرار بأنه قد تحدث انتهاكات ومخالفات حقوقية في السودان مثل ما تحدث هذه المخالفات في جميع دول العالم بمستويات ودرجات متفاوتة .
ليس محرجاً للحكومات أن تتعاون وتتفاعل بإيجابية مع الموجهات الحقوقية والتوصيات الصادرة حتى من المنظمات الدولية غير المسيسة .
وأفضل للقوى المعارضة أن تبعد أياديها عن توظيف ملف حقوق الإنسان في السودان لخدمة أجندتها السياسية لأنها ستكون قد تحولت من مدافع عن حقوق الإنسان إلى صاحب غرض في توسيع خارطة الملاحظات والمخالفات والانتهاكات الحقوقية .
وأعتقد أن أكبر تقدم أحرزته مؤسسات الحكومة في الملف الحقوقي الأيام الماضية ليس فقط قدرتها على إقناع الوفد الأمريكي بالتخلي عن موقفه بل التقدم الحقيقي والمبشر الذي يلاحظه الجميع هو تقدم في منهج الحكومة في التعاطي مع القوى الدولية ومنهجها في إدارة الأزمات الدولية بدرجة عالية من الهدوء والحكمة والاستيعاب وليس ردود الفعل والشتم واللعن والسباب .
التفاهم والتعاون هو المنهج الأقرب لتحقيق الأهداف من التوتر والانفعال، لذلك نستطيع أن نقول إن هناك لغة جديدة وطريقة جديدة بدأت تتعامل بها الدبلوماسية السودانية ونتوقع لها أن تثمر نتائج إيجابية بأن يقتصد السودان في كسب خصوم وأعداء ما أمكن ذلك مع التكثيف من مبادرات التعاون والحوار مع الخصوم الدوليين وتقديم رؤى وتنازلات معقولة خلف الخطوط السيادية الحمراء .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.