محن سودانية.. دولار موديل 2013
وللحكايات هنا في هذه (الخرطوم) مذاق خاص، كونه مفارقا للواقع مقاربا للفانتازيا، وربما لهذه السبب بالذات، ظل أستاذنا شوقي بدري المؤرخ الاجتماعي الفذ للحياة في مدينة أم درمان يغدق على الأسافير بسلسلة حكايات لا تنتهي تحت عنوان (محن سودانية)، وليعذرني على إيراد عنوان سلسلته في هذا المقام الذي يستدعي أن نسميه (محنة).
لم يكتف القائمون على أمر هذه المدينة وبالتالي على السودان كله، بتلك الخرمجات التي يمارسونها في كافة المناحي (المحلية) حتى تفتقت أذهانهم وتفتحت عبقريتهم على (تقليعة جديدة)، طالت الدولار الأميركي بجلالة قدره وسلطانه على العملات الحرة وغير الحرة.
وأنت في طريقك يقف (سماسرة) العملات الأجنبية على جنبات الطرقات يهمسون تارة ويرفعون عقائرهم أخرى مُنادين عليك (دولار، ريال) دون خشية أو وجل أو خوف من أحد، فمن يسألهم؟
ليست هذه هي المحنة التي أنا بصددها بالتأكيد، رغم أنها في واقع الأمر (محنة حقيقية)، لكنها ظلت قائمة منذ عقود طويلة وتحت إدارات مختلفة عسكرية ومدنية. ما أنا عليه هنا، هو تفصيلة غريبة وعجيبة تكاد تكون سحرية تستحق أن يُكتب عليها (صُنع في السودان).
يحكي صديقي أنه وعندما اقترب العيد وبلغت الأرواح الحلاقيم لشدة (الفلس) و(العيال) ينتظرون (قولة باع) بحسب تعبيره، أكرمه أحد أقاربه القادمين من (بلاد بره) بـ(100) دولار، فكاد يطير من الفرح، ومن توه وقبل أن يجزل عليه الشكر المستحق، طار إلى (جوار) ما يسمى مجازاً ببرج البركة، فلن يذهب إلى (البنوك والصرافات)، بالتأكيد، لأنه ليس (عوير) كما قال، ذهب إلى هناك واتفق مع أحد السماسرة على السعر واستلم وسلم، لكن السمسار تفحص ودقق في (المية)، ثم رفع رأسه وكاد يرفع يده أيضاً ليهوي بها عليه، وقال له بغضب (يا خي تغشني؟) فانخلغ قلب صاحبي إذ ظن أن مئته مزيفة، إلا أن السمسار أسعفه قائلاً: (دي موديل 2003)، فرد على الرجل، يا زول موديل 2003 بتاع شنو، ده دولار ولاّ (أتوس)؟ ثم تحاورا قليلاً، فأعاد كل منهما إلى الآخر (أمواله)، وانتظر صاحبي حتى أشرق الصبح وتوكل إلى أحد مكاتب الصرافة في السوق العربي، فحدث ذات الأمر، وأخبره موظف المكتب أن الدولار (موديل 2003) غير مرغوب فيه، بسبب أن البنوك السودانية (البطلة) لا تقبله، لذلك فإن سعره أقل من الموديلات من (2006 إلى 2009)، وأنه شخصياً ورغم خبرته الطويلة في المضاربة في العملات الصعبة، لا يعرف السبب الحقيقي وراء هذا التصرف، لكنه أضاف أنه لن يستغرب إذ أصدر بنك السودان مثلاً، قراراً، وضع بموجبه تواريخ انتهاء صلاحية لبعض العملات الأجنبية، فأنت في بلاد المحن والحكايات.