منوعات

قصة «أوموجا» قرية كينية للنساء فقط

أوموجا وتعني “الوحدة” باللغة السواحلية في كينيا – هو ملجأ للنساء لا يسمح فيه بدخول الرجال. القرية، التي تأسست قبل 25 عاما على يد ريبيكا لولوسولي، باتت ملاذا آمنا للنساء والفتيات اللاتي اتخذن قرار الهروب من حياة العنف التي يعشنها في قبيلة سامبورو، شمال كينيا.

ريبيكا، وهي مؤسسة وعضو في قبيلة سامبورو، تشغل إلى يومنا هذا منصب الرئيسة الحاكمة لقرية النساء “أوموجا أوسو” فبعد العنف الذي واجهته خلال مرحلة طفولتها، اكتشفت بأن بعض الممارسات التقليدية التي يتبعها أهالي قبيلة سامبورو مسيئة للنساء. فبدأت محاربة هذه الممارسات علنا بهدف حماية الأرامل والأيتام، وضحايا الاغتصاب، كما دعت إلى منع ختان الإناث، والزواج القسري.

موقف ريبيكا الصريح استهجنه رجال القرية المتشددين وأصبحت الأمور أكثر حساسية عندما تحدثت علنا للنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب من قبل الجنود البريطانيين الذين كانوا يتدربون في مكان قريب من مقر إقامتهن. إذ تعرضت ريبيكا للضرب المبرح والشتم على يد رجال القرية ولم يكلف زوجها نفسه عناء مساعدتها أوحمايتها.

وبعدما شعرت بأن حياتها مهددة بالخطر، قادت ريبيكا عام 1990 قافلة الهجرة النسائية ودشنت قريتها الجديدة.

ونقلت مجلة “ساتيا” عن ريبيكا قولها بأن الجنود البريطانيين تدربوا في المنطقة على مدى أكثر من 50 عاما، وعندما كانت النساء تعملن على جمع الحطب كان الجنود يتسلون باغتصابهن ويطلقون الضحكات العالية وكأنهم يمارسون أفضل لعبة لديهم. وبعد تعرضهن للاغتصاب تصبح تلك النسوة مرفوضات من قبل أزواجهن فتطردن من منزلهن. ولإعالة أطفالهن، تضطر تلك النسوة للعمل في بيع :التشانغا” وهو مشروب يعد بيعه أمراً غير قانونياً فينتهي الأمر بهن في السجون فيما يبقى أطفالهم بلا معين حتى أن بعضهم ماتوا بعدما نهشتهم الضباع

رحلت ريبيكا برفقة 16 من الناجين من حوادث العنف، واستقرت في حقل مهجور تحول بعد فترة قصيرة إلى قرية “أوموجا”، وقد تطورت الآن وأصبحت قرية مكتفية ذاتيا، إذ احترفت النسوة صناعة المجوهرات وغيرها من الحرف اليدوية، كما افتتحن القرية كمنطقة جذب سياحي. كما دشنن مركزا صحيا ومدرسة لتعليم أطفالهن. وهجرت النسوة مهام تربية المواشي بسبب جفاف المنطقة واهتممن بتربية الدواجن لتوفير البروتين للسكان.

وتقول ريبيكا، بأن الرجال ممنوعين من العيش في القرية، ولكن يمكنهم زيارتها بشرط التزامهم بالقواعد التي تفرضها “النسوة”. وتوضح بأن “أهدافنا هي تحسين سبل العيش للنساء بسبب تفشي الفقر وإعالة النساء اللواتي تخلت عنهن أسرهن، فضلا عن إنقاذ وإعادة تأهيل الفتيات اللاتي هربن أو طردن من منازلهن بسبب الحمل أو الزواج المبكر.

على الرغم من أن النساء في أوموجا تبلين بلاء حسنا ، إلا أن الأمر لم يكن دائما سهلا. إذ أوضحت ريبيكا أنها بدأت بافتتاح محلات صغيرة متنقلة لبيع الدقيق والذرة والسكر، ولكن الفكرة لم تفلح. وبعد عامين من الفشل، قررت محاولة بيع التحف التقليدية للسياح. وإدراكا لجهودهن، اخذ مركز “خدمات الحياة البرية الكينية” النساء في جولة تعليمية إلى محمية ماساي مارا الوطنية للتعرف على أنواع المنتجات السياحية التي يتم بيعها هناك.
وفور عودتهن، شرعت النساء في تنفيذ مشروع طموح يشهد نجاحا كبيراً إلى يومنا هذا، تمثل في إنشاء مخيم سياحي يتم فيه بيع المنتجات اليدوية وتسويق القرية كمنطقة جذب سياحي.

وبمجرد أن بدأت الأموال تدخل القرية، بدأت النساء في مواجهة اضطهاد الرجال مرة أخرى، إذ عمل رجال حسودين على إقامة قرية قريبة لقطع الطريق أمام السياح ومنعهم من دخول قرية “النساء”، كما حاولوا تشويه سمعة القرية بعدما دخل 30 رجلا وبدأوا في ضرب النسوة أمام أعين السياح، فقررت النسوة شراء الأرض لمنع الرجال من طردهم منها، ورغم محاولة الرجال وقف الصفقة، نجحت النسوة بعد ادخار المال لعدة أشهر من تحقيق هدفهن ودفعن 200 ألف شلن للحصول على ملكية القرية.

منذ إقامة قرية أوموجا، تم انتخاب ريبيكا رئيسة لها، ولا تزال تحكمها إلى يومنا هذا، إضافة إلى ترأسها للفرع المحلي لمنظمة اناكيه يا مانيديليو (MYWO)، وهي مجموعة غير ربحية تعمل على تحسين حياة النساء في كينيا. في عام 2010، تلقت ريبيكا جائزة القيادة العالمية من “فيتال فويسز”، وهي منظمة غير ربحية أخرى تعمل من أجل المرأة وحقوق الإنسان. تبلغ ريبيكا اليوم 53 عاما، وهي سيدة أعمال ناجحة، تواصل عملها بلا كلل ضد الممارسات الثقافية السلبية في كينيا.

ورغم كل ما حققته تلك النسوة، يبقى هاجسها الأول “الرجال”، إذ تقول ريبيكا أن “الرجال يشعرون بالغيرة من إنجازاتنا، إن سامبورو مجتمع رجالي يهمش المرأة ويمنعها من حق اتخاذ القرارات وامتلاك العقارات. بل وحتى الرجال المتعلمين وبعض الساسة يحاربوننا.”

ورغم كل التحديات، تبقى قرية أوموجا بمثابة نموذج ناجح لتمكين النساء في المجتمعات التي تمارس ثقافات سلبية تشكل عنفا ضد المرأة


البيان