مأساة رحلة.. مسافرون اكفهر في وجههم الطريق.. طين في الأظافر
أربع ساعات فقط، هي المسافة الزمنية بين الصباغ حاضرة محلية البطانة وحلة كوكو، ويمكن أن تُقلص لثلاث ساعات إذا كانت السيارة بحالة جيدة ويقودها سائق ماهر.
هذا في الظروف الطبيعية، أما إذا حدثت عوائق، فلابد من ترك كل التقديرات جانباً، ويوم الجمعة الماضية كانت تقديرات سائق (الميتسوبيشي) موديل العام (2002م)، تشير إلى أنه سوف يبلغ وجهته (الصباغ) في الوقت المحدد رغم إهداره لساعات طويلة بين موقف حلة كوكو ومنزله بشرق النيل قبل أن يقرر السفر منتصف النهار بالضبط.
تغيرات مفاجئة
قبل العام 2009م، لم يكن المسافرون لجميع قرى البطانة يطمعون في العثور على مركبة تقلهم من جوار كلية البيطرة التابعة لجامعة السودان بحلة كوكو، لكن بمطلع العام المذكور، كانت الأمور تسير نحو تغير غير متوقع، نتج عن ظهور التعدين الأهلي في أكثر من موقع بالبطانة، مما خلق عالماً جديداً لم يكن يدور في مخيلة أحد من قبل، فنهض سوق ودبشارة وسوق الخياري وأسواق أخرى صغيرة جوار مناجم التعدين الأهلي تجاوز عدد العاملين فيها والمستفيدين منها ما يربو على العشرين ألف مواطن بحسب إحصائيات غير رسمية، ولهذا اكتسب موقف مواصلات الصباغ بحلة كوكو سمعة طيبة بعد أن بلغ عدد المركبات التي تخرج منه متجهة للبطانة نحو ثماني عربات ليموزين صباح كل يوم، ورغم وعورته وخطورة تضاريس منطقة البطانة اختصر الطريق الجديد ساعات عديدة من وقت المواطنين الذين كانوا لا يستطيعون الوصول للبطانة إلا عبر حلفا الجديدة أو القضارف، وسيراً على النهج الجديد كانت الرحلة العسيرة التي انطلقت يوم الجمعة الماضية.
حزمة معضلات
أحدى عشر رجلاً، وامرأة هم عدد ركاب (الميتسوبيشي) موديل العام (2002م) التي غادرت المحطة المعنية في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا يوم الجمعة الماضية، والاثني عشر شخصاً الذين كانوا على متن العربة والسائق، كذلك أجروا مجتمعين تقديرات جادة، فخلصوا إلى أنهم بعد أربع ساعات سوف يحطون رحالهم في مدينة الصباغ، أي في تمام الرابعة عصراً؛ ووفقاً لهذه التقديرات ضربوا وعودهم مع مستقبليهم هنالك، المؤسف في الأمر أن الركاب ليس بينهم مكانيكي يفحص السيارة التي أقلتهم، وهذا أمر طبيعي للغاية ويحدث باستمرار، وكذلك ليس منهم من له معرفة لصيقة بالسائق ليخبرهم بمزاجه وجرأته على تحدي سهل البطانة المنبسط إذا طرأ طارئ مباغت، وبدوره أيضاً لا يمثل جهل المسافرين بالسائق منقصة في حقهم، لكن عدم فحص الميتسوبيشي ميكانيكياً تسبب في تأخير المسافرين نحو ساعتين أو تزيد، والسبب تآكل بلي عجل الحديد الأمامي، فتم إصلاحه عند قرية السِكيرانة التي تبرع أحد سكانها بعلبة شحم من أجل إعادة البلي الذي تساقط عن مكانه الطبيعي، بنهاية المعضلة الميكانيكية ظهرت معضلة أخرى تمثلت في عدم تقدير السائق وحرصه على زمن المسافرين، فاستغل جهل أكثر الركاب بالطريق وعرج على قرية ناتنة على من حولها، ليلتقي بأحد أصهاره، فتوقف عنده بغتة ولم يعد لعجلة القيادة حتى تأبط يد ذلك الصهر الذي ظل يبادله القيادة بين الفينة والأخرى، وهذه (التعريجة) غير الضرورية، أضافت للزمن المهدر ما بين (25-19) دقيقة.
فرحة تبخرت
عندما جاد السائق للطريق رفقة صهره وانطلق نحو الصباغ، تهللت أسارير أكثر ركاب الميتسوبيشي ضجراً، رغم أن الزمن تضاعف من تلك النقطة لأكثر من ست ساعات، إلا أن الجميع قبلها كضريبة سفر ووضعوها تحت بند (شق الدار عِلم) واعتقدوا مخطئين أنها آخر نزواته، بعد مرور ساعة ونصف من الزمن تبادل خلال السائق وصهره عجلة القيادة أكثر من مرة، لاحت في الأفق أتربة وانشقت السماء عن سحب كادت تحجب الرؤية تماماً، وحين كان يجب أن يستل السائق جرأته ويتحدى عوامل الطبيعة هذه المرة ليعوض المسافرين بعض الزمن الذي أهدره في غير محله خلال الساعات الماضية، أعلن لهم بمنتهى الصراحة أنه يريد العودة إلى أول قرية تحرك منها قبل ساعة ونصف ومن ثم يقرر، أما معاودة الرحلة مجدداً بعد أن ينجلي أمر السحب التي داعبت الأرض الظمأى للمياه، وإما يقضوا يومهم في ضيافة معارفه حتى الصباح إذا هطلت الأمطار، هنا لم يستهجن الركاب قرار السائق فحسب، إنما طلبوا منه كمسافرين لديهم التزمات جعلتهم يستجيبوا لحظهم (التعس) الذي جعلهم تحت رحمته كما وصوفه؛ بأن لا يتوقف لثانية واحدة دون إذنهم قبل الوصول لوجهتهم مهما غمرت مياه الأمطار الأرض أو اقتلعت جبال وأشجار البطانة كلها على قلتها. انصاع السائق للمسافرين، ولكن على طريقته الخاصة فلم يحط بهم الرحال إلا في الساعة الثانية عشرة ليلاً، فتجرع المسافرون والسائق وصهره مرارة ثماني ساعات ضاعت سدى.
اليوم التالي
طيب اها
مافي موضوع عادي بتحصل في اي مكان
رحلات الطيران العالمية تلغي او تؤجل لسوء
الاحوال الجوية تصرف عاقل من السائق .
ارحومنا يا ناس .