ليلة القبض على “هبة”!
اتصل بي هاتفياً، والد الزميلة هبة عبد العظيم، وهي محرِّرة بقسم الأخبار، ولها مساهمات متميزة بقسم التحقيقات.
الحاج عبد العظيم، كان منزعجاً وهو يحدثني عن مجموعة قال لي إنها تنتمي لجهاز الأمن، قامت باستدراج ابنته إلى مول عفراء، حيث تم اقتيادها إلى أحد مباني الجهاز.
قلت للسيد عبد العظيم: هذه ليست طريقة إدارة الإعلام بجهاز الأمن في التعامل مع الصحفيين، دعك من الصحفيات، ربما جهة أخرى قامت بهذا الأمر.
أصدقكم القول، شعرت بحالة من القلق بعد انتهاء المكاملة بيني والسيد عبد العظيم، فمن خلال تجربتنا مع إدارة الإعلام بجهاز الأمن في كل المرات التي تم فيها استدعاء صحفي أو صحفية، يتم الاستدعاء عن طريق الاتصالات الهاتفية، حيث يُحدَّد زمن الحضور والمكان مع ذكر اسم المحقق.
ولم يشتكِ صحفي أو صحفية – على الأقل بصحيفة (السوداني) – من سوء معاملة أو غلظة في التعامل رغم شقة الخلاف حول تقديرات النشر، هل هو مُحَقِّقٌ للمصلحة العامة، أم مُضرٌّ بها؟!
ورغم استياء جُلِّ الصحفيين أهل المهنة من التدخلات المباشرة للجهاز، عبر المصادرة أو مراقبة الصحف؛ لكن أغلبهم لم يذكروا أنهم تعرضوا لمعاملة سيئة من إدارة الإعلام بالجهاز في الاستدعاءات أو التحقيق.
اتصلت بالإخوة في إدارة الإعلام بجهاز الأمن، مُستفسراً عن مكان وجود الزميلة هبة، والجهة التي قامت باستدراجها واقتيادها إلى مكان مجهول.
كانت المفاجأة، أن كل من اتصلت بهم، لم يكن لهم علم بما حدث للزميلة هبة. هنا شعرت بالخطر واستدعت ذاكرتي كل السيناريوهات السيئة!
مع أذان صلاة المغرب، تم إطلاق سراح الزميلة هبة، وعادت إلى منزل والدها، وروت ما حدث عن كيفية استدراجها لمول عفراء، ومحاولة عدد من الجنود إجبارها على الركوب في سيارة مُظلَّلة لولا تدخل عدد من الضباط!
بالتأكيد ستتساءلون: ماذا فعلت هبة؟ هل شاركت في عملية تجسس؟ هل لها علاقة أو صلات مع الحركات المتمردة الحاملة للسلاح أم أنها تتاجر بالدولار؟ أم هي عضو في شبكة لترويج الهيروين؟!
الصحفية هبة عبد العظيم محققة صحفية، اُشتهرت بإنجاز أفضل التحقيقات الاستقصائية، رغم اتهامنا الدائم لها بالكسل، أعدت قبل أسابيع تحقيقاً خطيراً بكل ما تحمل الكلمة من أبعاد، وما تُلقيه من ظلال. التحقيق عن تلوث مياه النيل الأبيض، وأوردت فيه معلومات بالغة الخطورة ذاكرةً الآتي:
(كشف تقريرٌ أعدته وزارة الصحة عن تلوث مياه النيل الأبيض بولاية الخرطوم، بمواد كيميائية خطرة، وبمعادن الرصاص والكروم، وتخوفات من تضرر أكثر من مليونَيْ مواطن، وسط تخوفات من تسرب المواد الملوثة والمعادن الثقيلة إلى المياه الجوفية، التي تُعتبر مصدراً مُهمَّاً من مصادر مياه الشرب لبعض المناطق.
وقال وزير الصحة بالخرطوم، بروفيسور مأمون حميدة، في تقرير مُصوَّر عرضه أمام مجلس وزراء الولاية – في رمضان الماضي – إنه أخذ عينات من مياه النيل الأبيض جنوب منطقة العزوزاب وفحصها بمعامل داخل البلاد وخارجها. وجاءت النتيجة متطابقة بأن “المياه ملوثة” بأنواع معينة من الباكتيريا الضارة والجراثيم مع وجود مواد كيميائية ومعادن الكروم والرصاص المسببة لسرطان الجهاز الهضمي والكبد الوبائي والبلهارسيا، وأن التلوث الكيميائي من شدة تأثيره على مياه النيل الأبيض فصل مياه الصرف الصحي والنيل داخل مجرى النيل الأبيض بخط مستقيم واضح للعين المجردة)!
كان بإمكان الجهة التي استدرجت الصحفية هبة بتلك الطريقة المرعبة كأنها مجرمة خطيرة، أن تتبع ذات أسلوب إدارة الإعلام بجهاز الأمن، بأن تتصل بالصحفية أو رئيس تحرير صحيفتها أو والدها وتطلب حضورها في مكان وزمان محددين.
هبة قامت بعمل صحفي احترافي من الدرجة الأولى، تستحق عليه التكريم والتقدير، أما الآخرون الذين تسببوا في إصابة العشرات بالأمراض الخطيرة يستحقون على فعلهم العقاب في الدنيا قبل الآخرة.
ما كان لهبة أن تكشف مصادر معلوماتها مهما كلفها ذلك. المصادر في الصحافة جزء من الشرف المهني لأي صحفي يحترم مهنته.
ما حدث مع هبة، أتمنى أن يجد الاهتمام من قبل قيادة جهاز الأمن والمخابرات، حتى لا يتكرر مرة أخرى، خاصة مع الزميلات، لأن في ذلك ما يقلق أسرهن ويسيء لهن ولسمعة الجهاز كذلك.
القبض على صحفية في مكان عام، أمام أعين الناس، سيفتح باب التأويلات والاستنتاجات السيئة، ولن يظن أحدٌ أن ما حدث له علاقة بتحقيق صحفي متعلق بصحة المواطنين.
لا بد من الإشادة بالبروفيسور مأمون حميدة، وزير الصحة بولاية الخرطوم، الذي يواجه ظلماً وتجنياً إعلامياً من الكثيرين، بناءً على صورة ذهنية أسهم هو مراتٍ في ترسيخها عبر بعض التصريحات غير الموفقة.
المهم أن بروف مأمون بقوة وشجاعة كشف تفاصيل الجريمة وحدد الجهة المتسببة في الكارثة التي تهدد مليونَيْ مواطن بأمراض خطيرة، ووضع الكُرَة أمام حكومة الولاية حتى تقوم بواجبها في حماية صحة المواطنين من جهات ترى نفسها فوق القانون ولا تضع اعتباراً للحساب والعقاب الإلهي في الدنيا والآخرة.
رسالة مهمة:
تلقيت هذه الرسالة من الوكيل السابق بوزارة العدل، مولانا عبد الدائم زمراوي، وهي لا تقل أهمية عن ما أوردته هبة في تحقيقها من معلومات ذكرها بروف مأمون حميدة. كتب زمراوي:
(قيض الله سبحانه تعالى وكيل نيابة هميماً وشجاعاً (هكذا أحسبه)، لنيابة حماية المستهلك، وعلم بهذه الكارثة، وتم أخذ عينات من المياه، وثبت بفحصها من أكثر من معمل، أنها ملوثة، ولا تصلح للاستهلاك. فتح وكيل النيابة المستشار (عبد المجيد عوض) بلاغاً في مواجهة هيئة مياه ولاية الخرطوم. حضر وكيل النيابة المذكور إلى مكتبي، وأخبرني بكل الوقائع المشار إليها آنفاً، وطلبت منه السير في الإجراءات، وتحسباً لأي ضرر قد يلحق به، قلت له: اتخذ أي إجراء واذكر أنه بناءً على توجيه الوكيل. فعلاً بدأ بالقبض على مهندس المحطة المسؤول، وبعد التحري معه أصدر أمراً بالقبض على مدير الهيئة، هنا قامت الدنيا، ووصل الخبر إلى الوالي د.عبد الرحمن الخضر، ثم من خلال متابعتي مع وكيل النيابة علمت أن الوالي عقد اجتماعاً مع وزير العدل التزم فيه وعلى وجه السرعة بأنهم سيقومون بإعداد خط ناقل لهذه المياه لمشروع سوبا الزراعي، وهنالك ستتم تنقيتها ومن ثم الاستفادة منها في ريِّ الأشجار التي تود الولاية زراعتها كحزام شجري للولاية. يا مؤمن يا مصدق، كما يقول أهلنا الطيبون الصادقون، ظننت أن هذا التدخل والالتزام من الوالي بهذا المقترح المحدد سيُنهي المصيبة هذه، فإذا بي أفاجأ بهذ التحقيق لصحفية هبة عبد العظيم الذي يؤكد أنه لم تُتّخذ أية خطوة في تحقيق ما التزم به الوالي. نسيت أن أذكر أن وكيل النيابة الأخ عبد المجيد ومن شدة غضبه على ما يحدث طلب مني الوقوف على حقيقة الوضع، وفعلاً ذهبت معه بعربته وتتبعنا هذا المجرى من منطقة المصانع وحتى موضع صرفه على النيل الأبيض. طبعاً الرائحة الكريهة المنبعثة من المياه وتغير لونها لا يتركان أي مجال للشك في تلوثها. ثم جاءت التقارير المعملية لتؤكد ما شاهدناه عياناً).
لا حول ولا قوة إلا بالله
لك الشكر أخ ضياء وللصحفية هبة عبد العظيم على كشف هذه الحقائق للعامة ولكن نحن في ديار الغربة ولنا تجارب ومعرفة بكيفية معاملة المسئولين تجاه قضايا مواطنيهم لا سيما عندما تتعلق المسألة بصحة المواطن لأن المسئولين الذين يهمهم أمر مواطنيهم يدركون تماماً أن مثل هذه المشاكل سوف تولد كوارث سوف تتمدد لأجيال وأجيال ولكن ليس بالمستغرب من هذا التخبط على المسئولين السودانيين وتصل إلى درجة مضايقة وتهديد محاولة أصلاح هذا الحال لأنهم أساساً ما يهمهم المواطن يموت أو يصاب بأمراض خطيرة.
نسأل الله في هذه الأيام المباركة أن يصيب كل من يتسبب في إيذاء أي مواطن أن يصاب بعاهة يكون أفضل خيار له الموت.
لك الله يا وطن
ايواااااااااا عشان كده ودوهم الصالح العام بلد خربانة من اساسة
يعني في النهاية الاعتقلوا هبة ناس جهاز الامن ام عساكر مجهولين؟ الواضح انك ومن مقدمة المقال كنت تسعي لتبرئة الجهاز سئ السمعة. وذلك لانك ايها الخازوق انت جزء من الجهاز. صبرا ايها الشعب فان الصاخة قادمة يومها يا الضوء لن تسعك ارض ولا سماء.