طاقية دا في رأس…!
«أبو الكرم».. هكذا ينادونه.. مندفع بكل عنفوان الطيبة والشهامة.. يحب الناس ولا يتوانى في خدمتهم بلا من ولا أذى.. لا يعرف إلا أن يكون خدوماً وكريماً حتى ولو لم يملك فلساً واحداً.. فقط كان يأخذ «طاقية هذا ويلبسها لذاك».. حتى كثرت على ظهره الديون دون أن ينتبه الى أنه يدخل نفسه في «ديلمة» لا قِبل له بها.. أصبح في دائرة المطلوب دوماً.. باب البيت يطرق دوماً.. ليكون الطارق ذلك الذي استدان منه ليحل مشكلة جارتهم التي طرد ابنها من المدرسة.. ثم فلان الآخر الذي أخذ منه مبلغاً على أمل تسديده لأنه كان مقصد جارهم على الشمال عند المرض وفلان وفلان.. هو لا يعرف أن يقول إلا عبارته المحفوظة «بدبر ليكم المبلغ» حتى أصبح هو «مسكوك» ولم يكن أمامه إلا أن يفر من بيته نهاراً ويعود بعد أن ينام أهل الديون.. بل أن طرقات الباب أصبحت تسبب لزوجته وأبنائه الحرج والضيق.. لم يكن أحد يصدق أنه بات في عداد يبقى لحين السداد، بعد أن عرف طريق الشيكات والبنوك.. الآن اعتاد على السجن وتشرب بتفاصيله وأسرته تدبر حالها من بند «شفقة أهل زوجته على أسرتها».. أما من تسلف وتدين لأجلهم لا يجدون إليه سبيلاً بحكم أنهم في عداد «قصيري الايدي» بل الذين لا يقدرون على شيء.. ليبقى هناك.. وردود أهله «عشان تاني يتشوبر هو قايل روحه وزارة الرعاية الاجتماعية».. ابنته تقود حملة في مواقع التواصل لتبريء ذمته وتقول إن أهدافه كانت نبيلة.. «شخص يحب الناس يشيل من دا ويدي داك..».. «أها مالو غرضو نبيل».. «ابوي زول حقاني.. يشيل من الناس العندها.. الظلمة.. ويدي المساكين.. حكومة السجم دي تسجنه ولا تساعده.. «حكومة الـ….. حكومة…..» تكبر الموضوع الى أنه خطأ دولة واسقاطات مجتمع.. بل وتنافح عن والدها بكل ما أوتيت من قوة.. ترى هل «أبو الكرم» محقاً في هذا الأخذ أم أنه متطفلاً على حقوق الآخرين. ولكن «أبو الكرم» في سجنه يمارس ذات الطقوس ليقوم بأخذ سجارة من يملك «صندوقاً» للآخر الذي لا يزوره أحد، ولا يجلب اليه السجائر، رغم أنه في عموم الأمر يقول إن «التدخين ضار بالصحة» لكنه لا يستطيع إلا أن ينقل موضوع مطالبات الشيكات الى ديون سجائر داخل السجن.. حيث «يقوم» عليه المساجين بأنه خرب عليهم مخزونهم من السجائر. ٭ آخر الكلام! خيط رفيع ما بين الطيبة و«الدروشة» والقانون لا يحمي المغفلين كما يقولون.. «أبو الكرم» الآن في عداد المساجين والموصومين اجتماعياً بأنهم «ركابين طواقي من رأس دا لرأس دا.. لكنه مغفل لا يعرف يحمي «نفسه» وهو ما زال يحمل «فيروس الكرم» داخل السجن وابنته تسب العالم من حوله. «مع محبتي للجميع»..