جعفر عباس

ورقة تتسبب في «ورقة الطلاق»

أتى على الرجل العربي حين من الدهر دام قروناً، كان يقيس فيه جمال المرأة بالكيلو، فكلما كانت كثيرة الشحم واللحم كان نصيبها من شعر الغزل وفيرا، ويا سعد من شبهها شاعر مشهور بأنها تمشي الهوينا كالناقة (لو قلت ذلك لفتاة معاصرة لعصرت رقبتك حتى تعوج كرقبة الناقة، وأعتقد أن الشعراء الجاهليين كانوا يعانون من خلل في غدد التذوق، فيتغزلون بالمرأة التي تشبه البعير، ولم أقرأ لأحد منهم شعرا يشبه فيه الحبيبة بحصان مع أن الحصان أجمل من كل الغزلان – دعك من الهجن.
وحظ الشابات من الغزل في الشعر أو في الأسواق أوفر من حظ المرأة المتقدمة في السن، رغم أن الأخيرة قد تكون أكثر جمالاً بحكم أنها كانت جميلة منذ مرحلتي الصبا والشباب، وجمال معظمهن يصمد في وجه عوامل التعرية والجفاف والتصحر.
ويصمد معظم الزيجات لأن التفاهم والمودة يحلان محل الغزل، فالزمن كفيل بتجريد المرأة من الخصر النحيف والخد الأسيل والعين الكحيلة والوجه الجميل، والقوام الممشوق يصبح عاشق معشوق كما نقول في السودان عن الشيء الذي يتم تركيبه وتجميعه عشوائيا، أما ما يفعله الزمن بالرجل فَ (خلوها مستورة)، والغريب في الأمر أنه في حكم النادر أن تسمع بامرأة نفرت من زوجها؛ لأنه تكرش ووجهه تكرمش وجلده تخربش، في حين أن كل واحد من القراء يعرف رجلاً واحداً على الأقل تنكر لزوجته؛ لأنه لا يعترف بدور عامل الزمن في تغيير الملامح، ويريد لنفسه زوجة (فُل أوتوماتيك من الوكالة).
أمام محكمة الأسرة في عاصمة عربية وقف الزوج أحمد ع. طالباً الطلاق من زوجته.. فسأله القاضي الشاب: ليه يا عم أحمد (عمره 65 سنة) تريد الطلاق بعد زواج دام 32 سنة؟ فأجاب الرجل: لأن زوجتي غشاشة وضحكت علي! س: وكيف ضحكت عليك زوجتك؟ ج: عندما تزوجتها قدمت بطاقة شخصية تثبت أنها من مواليد عام 1940 وقبل أيام شرعت في استخراج بدل فاقد لشهادة ميلادها لاستكمال إجراءات رسمية، وفوجئت بأنها من مواليد 1924.. يعني أكبر مني بكذا سنة.. هناك قال له القاضي: إن القانون يقضي له بالطلاق لأن الزوجة قدمت معلومات كاذبة عند عقد القران، ولكنه اقترح عليهما مقابلة أخصائية اجتماعية لدى المحكمة، جلسا أمام الاخصائية التي فهمت أن عم أحمد لا يعيب على زوجته شيئاً سوى أنها أكبر منه سناً (كما اكتشف لاحقاً) وأن الزواج أسفر عن إنجاب ولدين،.. والولدان لم يقصرا، وأنجبا بدورهما خمسة عيال، أي أن عمو أحمد لديه خمسة أحفاد من الست التي قالت له عام عند الزواج أن عمرها 34 سنة، المهم أن أحمد أصر على الطلاق قائلاً: إنه لم يكن سيتزوج بها لو كان يعرف أنها أكبر منه ولو بيوم واحد!!
يعني لولا الشهادة (الزفت) تلك لعاش عم أحمد هاني البال مع زوجته التي كان عمرها الفعلي عند الزواج خمسين سنة… يعني كانت في الخمسين ولكن شكلها كان يوحي بأنها في أول الثلاثينات كما هو مدون في البطاقة المزورة التي استخدمتها لعقد الزواج.. يعني -مرة أخرى-عمر الزوجة الحقيقي اليوم 80 سنة بالتمام والكمال، ولكن عمو أحمد كان يعتقد أنها في ال 62 أي أصغر منه بثلاث سنوات!! امرأة فلتة تلك التي تكون في الخمسين وتبدو وكأنها في أول الثلاثينات وتكون في الثمانين وتبدو وكأنها في أول الستينات! صح.. مالك وما تقوله الأوراق يا أحمد طالما أن شكلها غير مزور؟

jafabbas19@gmail.com