شاهد على العصر

قبل مدة استضاف أحمد منصور في برنامجه الأشهر (شاهد علي العصر) الصحافي الأكبر والوزير (هيكل)، فتحدث عن مقتل الإمام الهادي، وتحدث عن (مانجو) مسمم وما إلى ذلك، فنهض آل بيت الإمام الهادي وهددوا بمقاضاته ومقاضاة قناة الجزيرة معه قبل أن تذوب كل تلك الفورة.
بالأمس استضاف أحمد منصور الإمام الصادق المهدي، فخرج آل الهادي أيضا، ولكن هذه المرة لمنزل عبد الله خليل للاعتذار لأسرته عن حديث تحدث به الإمام.
هذا الأمر يرجعنا إلى كارثة حقيقية، تتمثل في أن تاريخنا يبقى (أحاجي) شفاهية مغيباً عن الأجيال ومدغمساً أبداً..
المكتبة السودانية فقيرة جداً، وتمر ذكرى معركة مثل كرري، فلا يجد الناس من أحداثها إلا بيتاً يتيماً في نشيد الاستقلال لعبد الواحد عبد الله ومحمد وردي (كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية) أو مثلاً تهكمياً يجري على ألسنة النساء (الرجال ماتوا في كرري)..
فكتاب سلاطين باشا (السيف والنار) يبقى أشهر ما قرأ الناس عن المهدية، فلاحت بطولة سلاطين في الصبر على (الختان) بأكثر مما لاحت بطولات من استشهدوا في القتال.
كل رمضان نشاهد عشرات الأفلام لمعركة العاشر من رمضان في مصر، وكل 6 أكتوبر نشاهد ذات الأفلام لأن المعركة واحدة، وأن اختلفت تواريخها ما بين الهجري والميلادي، فصارت مثل أعياد الميلاد لبطل فيلم السفارة في العمارة.
لا يعرف الكثيرون أن عبد الله خليل كان رئيسا للوزراء، ولا يعلم أغلبية الشباب أن الأزهري والمحجوب رفعا العلم ممثلين للحزبين الكبيرين في ائتلاف مثل مذنب هالي يبين كل 70 عاما مرة.
ويضن كبارنا بكتابة مذكراتهم لأنهم يظنون أن أوانها لم يحن بعد، وقد تساقط الأنداد من حولهم وعدموا الصنو.
إننا أمة المشافهة بلا جدال، لذلك ينتهي التاريخ بانتهاء الجيل اللهم إلا ما سقط في بئر، فالتقطته دلاء الشعراء، فخلده اللحن لا الفعل.
لقد سقط عشرات الضحايا والشهداء في الثورات والانتفاضات والانقلابات والملاحم، فغابوا، إلا من صور في البومات أهاليهم ودموع في المآقي.
إن أكبر راوية لتاريخنا الحديث يبقى الراحل العظيم محمد وردي لما أعطي الناس عناوينا ليبحثوا عنها، فمن المعيب أن يبقى القرشي في أكتوبره، والماظ في مدفعه، ولابد أن لهم قصصاً تروى قبل اللحظات الأخيرة.
لو كان الاستوزار والرئاسة والمناصب بأزمان محددة وفرص محدودة لتفرغ الناس للكتابة والقراءة.