جماعة ضغط.. عثمانية
* لا أرغب في تثبيط همة الزميل الباشمهندس عثمان ميرغني، الذي أكن له محبةً خاصة، وأحمل له تقديراً عميقاً، استحقه عندما شرفني بتلبية رغبتي في أن يدوِّن مقالاً راتباً لصحيفة (أخبار العرب) الإماراتية، حينما أتيته مكلفاً من ناشرها الطموح، سمو الشيخ سعيد بن سيف آل نهيان، فرصَّع جيد الصفحة الأخيرة للصحيفة الوليدة بمقالٍ لقي استحساناً كبيراً، ومتابعةً كبيرة من أفراد الجالية السودانية في الإمارات.
* اتصل حبل المحبة عند صدور (اليوم التالي)، التي ساهم عثمان في نجاحها بنصيبٍ مقدر، لذلك أتمنى له التوفيق في سعيه لإنشاء حزبٍ عصري، تحرِّك تروسه عقول المفكرين والصناع والزراع والرعاة والطلاب على حد سواء.
* ولكن.. و(اللكنة) غير مستحبة عند السودانيين.
* أعتقد أن السودانيين كفروا بأحزابٍ مصابة بالعقم الفكري، والخواء الروحي، والعجز التنظيمي، بدليل أن غالبية الشباب أدارت ظهرها لتلك المكونات، لأنها عجزت عن ابتداع لغةٍ مفهومة، تخاطب وجدانهم، وتلبي أشواقهم، وتقنعهم بأنها تحمل جديداً مفيداً لهم.
* سألت أحد الشباب قبل أيام عن أسماء ثلاثة أحزاب سودانية فذكر اثنين وتلجلج في الثالث، سألته عن قادة الحزبين اللذين استحضرتهما ذاكرته الغضة فعجز عن الإجابة.
* السودان يزخر بأحزابٍ أكثر من الهم على القلب.
* من جلسوا في مائدة خطاب (الوثبة) فاقوا الثمانين، بخلاف المقاطعين.
* يومها أتى البشير والصادق والترابي وابن الميرغني، واحتشدت القاعدة بممثلي أكثر من عشر حركات (لتحرير السودان)، وجمعت أربعة أحزاب تحمل اسم (الأمة)، وحزبين يحملان اسم (الاتحادي)، وقرأنا أمام المقاعد أسماء مكونات لم نسمع بها قبلاً.
* كل من تلقوا الدعوة كبَّروا العِمَم، وعطَّروا الملافح، وتلبسوا أثواب الزعامة، وتحدثوا فأهدروا زمناً طويلاً، ولم يقولوا شيئاً مفيداً، لأنهم مثلوا كياناتٍ كرتونية، لا نشاط لها ولا فعالية ولا تأثير.
* أحزاب بلا قواعد، ولا وجود حقيقي في الشارع، تحدثت باسم الشعب، وهو منها براء، لأنه لا يعلم شيئاً عن نشاطها، ولم يسمع بها قبلاً.
* أمريكا سيدة العالم بها خمسة أحزاب فقط، منها حزبان يتمتعان بتأييد معظم الأمريكيين (الجمهوري والديمقراطي.. علاوةً على الدستوري والخُضر والليبرالي).. بريطانيا العظمى بها العدد نفسه تقريباً، لكن الدولتين العظميين تتمتعان بالمئات من جماعات الضغط الفاعلة، و(اللوبيات)المؤثرة، التي تسهم في صناعة القرار، وتوجِّه الساسة حيثما تريد.
* لو سخَّر عثمان جهده لإنشاء جماعة ضغط فاعلة، تضم مفكرين وناشطين حقوقيين وممثلين لكل فئات المجتمع لرفد الساحة السياسية السودانية (بتيارٍ) قوي تفتقده تماماً، ويكون بمقدوره أن يملأ الفراغ الحادث في مجال (الفكر السياسي)، و(النشاط المدني) الخامل في السودان.
* لا نريد تثبيط همة عثمان، لكننا نرى أن ساحة المجتمع المدني الخاوية على عروشها أولى بجهده وفكره وثمرة كيانه المقترح.