جدل حول عمل المرأة بالخارج .. انطلاق حملة المودة والرحمة كأفق للإصلاح الاجتماعي
مازالت الأصوات التي ارتفعت مؤخراً مناهضة لقرار وزارة العمل القاضي بمنع المرأة من العمل كخادمة خارج البلاد.. رغم شرعية ذلك بالدستور والمواثيق الدولية، تجد صدى واسعاً وسط الجمعيات النسوية والمنظمات المدنية المعنية بالمرأة.. والتي صوبت سهامها تجاه القرار واعتبرته قراراً ارتجالياً خضع لحسابات العواطف، وكرد فعل سريع على أثر القضية التي هزت الرأي العام السوداني في الداخل والخارج.
هذا القرار جعل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان تبتدر حملة المودة والرحمة كأفق جديد للإصلاح الاجتماعي.. والتي انطلقت بقوة نهاية الأسبوع المنصرم بفندق (القراند هولداي فيلا) الذي شهد أصواتاً نسائية قوية، أرسلت رسائل في عدة اتجاهات مناهضة لعنف المجتمع ضد المرأة من خلال ورشة عمل الحوار العدلي لتعزيز حقوق المرأة.
وابتدرت النقاش مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل د. “عطيات مصطفى” بالحديث عن تداعيات الحملة، وقالت من منطلق أن المودة والرحمة لهما أسمى ارتقاءات السلوك وهما سقف القيم الوجدانية والمعرفية التي تقصدها غايات السعي الاجتهادي في مجالات الفقه والإرشاد والإصلاحات التربوية والتشريعية، فإن مكافحة العنف هو المعادل العملي لبسط تلك القيم.. ومنظوماتها السلوكية.. وهي رسالة في عمق احتياجات المجتمع. وحسب د.”عطيات” فإن الحملة ستلتزم بالسعي لجعل قيم المودة والرحمة مرجعاً أخلاقياً وسلوكياً يصل بأفراد المجتمع إلى الوئام الاجتماعي.. اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها إصلاح العادات الضارة التي تلحق الأذى بصحة المرأة النفسية والجسدية، مراجعة مختلف القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة والطفل بهدف تصويب وتعديل أي نصوص أو مواد تنال من حقوق قد كفلتها لها الشريعة الإسلامية.
من جانبها ذهبت مولانا “زلفى خليفة” في اتجاه القوانين واللوائح المنظمة لعمل المرأة.. وقالت بأن المجتمع بدأ أكثر وعياً واعترافاً بحاجة للمرأة وبدورها البارز في مجال الأعمال بمختلف المجالات، وهذا الاعتراف دعم حركة المطالبة بحقوقها التي من ضمنها حق المرأة.. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن خروج المرأة للعمل ظاهرة جديدة على المجتمع رغم أنها تمثل نصفه وبدأت بعيدة عن ميدان العمل أميالاً طويلة.
وترى أنه من حق المرأة أن تعمل وتتكسب في أي مهنة شاءت كما يفعل الرجل، طالما أن ذلك نابع من رغبتها.. ولها قرارات على العطاء والإنتاج ولا تقل عن الرجل، كما أن منعها عن العمل لا يواكب روح العصر ومتطلباته.. في ظل ما تقتضيه ظروف المعيشة.. وأن عمل المرأة يساهم في الاقتصاد الوطني، وتشير المادة (3) من قانون العمل 1997م، نظم عمل النساء والأحداث فيما استثنى في التطبيق خدم المنازل.
وقالت إن القانون فسر مصطلح (عامل) على أن ذلك يعطي حق تساوي المرأة بالرجل في حقوقها في العمل مع مراعاة بعض الأوضاع، كعدم تشغيل النساء في الأعمال الخطرة وعدم تشغيلهم في الفترة ما بين العاشرة والسادسة صباحاً ويستثنى من ذلك النساء في الأعمال الإدارية، أيضاً نظم قانون العمل ساعات العمل بالنسبة للمرضعات لمدة سنتين من تاريخ الولادة على أن تكون هذه الساعات مدفوعة الأجر.
وترى مولانا “زلفى” أنه لا توجد قوانين محلية أو أمر محلي ينظم به عمل المرأة بشكل خاص وأن كل اللوائح تتحدث بلغة (شخصي) والتي تفي (ذكر أو أنثى)، فيما تحدث الخبير القانوني “أسامة صالح علي رحمة” عن نظم عمل المرأة وفقاً للمواثيق الدولية قاطعاً بعدم جواز منع عمل المرأة بأي مهنة بالخارج إلا بتعديل الدستور أو الانسحاب من المواثيق والاتفاقيات الدولية، في الوقت الذي أكد فيه مصادقة السودان على (14) اتفاقية دولية بخصوص العمل.
وقال إن السودان وقع على اتفاق مع منظمة العمل الدولية التي لها انتشار واسع في العالم.. وتلزم المنظمة الدول الموقعة بتقديم تقارير دورية وأن تقدم نسخة من هذه التقارير قبل عرضها للجهات العمالية بالدول المعنية على الاتفاقية.
ويرى “صالح” بأنه بناءً على المواثيق الدولية فإنه لابد من ضمان حرية العمل.. كما اهتمت منظمة العمل بوضع فترات الراحة خاصة للعاملات، أيضاً وضعت اتفاقية بشأن النساء العاملات أثناء الليل وفي المناجم، فيما لا يوجد بند يقيد عمل المرأة في كل المواثيق ولا يجوز منح المرأة في العمل في غمرة الحماسة التي قابلت بها وزارة العمل قضية (الخادمات) ويجب عدم الانسياق وراء رغبة بعض الجاليات وأن قرار وزارة العمل مخالف للمادة (13) لحقوق الإنسان القاضي بحرية أي شخص في التنقل.
أيضاً تحدث عن نصوص الدستور الخاص بالدولة والواضح بشأن عدم جواز عمل المرأة في أي مهنة بالخارج وعدم تجاوز المادة (27) الفقرة (3) من الدستور وأوصى وزارة العمل بإمكانية العمل على توجيه اتفاقيات ثنائية مع الدولة المستضيفة للعاملات.
في أثناء بدء الحضور في إخراج الهواء الساخن تجاه المنصة عقب الورقة التي أعدت من قبل المجتمع ودوره في الحفاظ على القيم والمبادئ وفق القانون.. ورغم الأسئلة الساخنة من قبل الحضور إلا أن إجابات مدير إدارة أمن المجتمع العميد “عامر عبد الرحمن” جاءت برداً وسلاماً تجاه المعتقدات التي كونها الناس تجاه النظام العام بقدرته على الإقلال من مكانة المرأة. وتحدث العقيد شرطة “محمد علي الحسن بابكر الكوادي” عن ماهية أمن المجتمع النظام سابقاً وقال بأنه به (26) مادة اعتبرها خالية جميعاً من أي إهانة للمرأة واعتبرها مواد تحفظ للمرأة مكانتها في المجتمع، منها الضوابط التي تقنن استخدام المركبات العامة، ومحلات تصفيف شعر النساء، من خلال المواد (9) و(14) و(15).
وأوضح “الكوادي” اللفظ الخاص بالمادة (152) القانون الجنائي التي يعتقد البعض بأنها ضمن مواد قانون النظام العام.. فيما صنفها على أساس أنها ضمن القانون الجنائي العام وهي المادة الخاصة بالأفعال الفاضحة كالسلوك أو الزي. وقال إن الفعل يعتبر فعلاً مخلاً بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.
وأكد أن هذه المادة ترمي إلى حماية الآداب العامة ومحاربة الرذيلة سواء ارتكبت عن عمد أو عدم الحيطة وعدم التبصير بدعوى الحرية الشخصية.. لأنه من حق المجتمع على أمره الحفاظ على قيمه وأخلاقه وعدم استغلال الحرية من أجل الإخلال بآدابه.
المادة (152) جعلت القاعة تطالب بمزيد من الإيقاع بوصف أن المادة فضفاضة وليس هنالك معايير معينة لإنفاذ قانونها فأوضح “الكوادي” بأن معيار الزي الفاضح أن يكون مبتذلاً، ضيقاً يثير الشعور بالخجل لدى الجمهور، ليس النساء زي الرجال والعكس. وقال إن دور الإدارة يبدأ بالنصح والإرشاد الميداني أولاً ومن ثم استكتاب التعهد الشخصي، وقال إن الإدارة لا تلجأ إلى فتح البلاغات المتعلقة بالزي والنساء في غالب الأحوال، وإنما تقوم بعمل تعهدات لهم ويظهر ذلك في التقرير السنوي. ثورة عنصر النساء بالورشة جعلت مدير إدارة أمن المجتمع العميد “عامر عبد الرحمن” يتحدث مدافعاً عن دور أمن المجتمع في بسط الأمن بالولاية، وكشف عن تفعيل الإدارة لـ(5%) فقط من قانون النظام العام وأن (95%) من التطبيقات الأخرى يضم تطبيقها وفقاً للقوانين الجنائية الأخرى.
وأقر بأن الإشكالية ليست في القوانين وإنما في التنفيذ من قبل بعض المنفذين.. وقضى بعدم وجود أي حملات من قبل الإدارة لستات الشاي وأن أي حملة تحدث تابعة للجهات التنفيذية الأخرى، وقال عميد “عبد الرحمن” إن هنالك (152) حملة يومياً لمكافحة الخمور وأن الإدارة تعمل على مكافحة الرزيلة.. في كل الأحياء بالخرطوم دون التمييز بين الأحياء الشعبية والراقية، وأن عقوبات الرذيلة تتعامل معها الإدارة بنوع من التكتم حفاظاً على أعراض الناس، فيما تصل عقوبة منظمها إلى (20) سنة.
ورغم توضيحات إدارة أمن المجتمع إلا أن الباحثة “نجاة أحمد علي الفادني” بدت أكثر جدية في تعاطيها مع بعض الممارسات التي تحدث باسم النظام العام، وقالت إن النساء يتعرضن للاستغلال من قبل النظام العام.. وأن أغلب النساء العاملات في مهن غير منظمة يخرجن (بالفتات) من العائد المادي نتيجة للمضايقات التي يتعرضن لها.
وأكدت أن في إحصائية قامت بها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وجدوا أن هنالك (15%) من النساء العاملات في المهن غير المنظمة خريجات جامعيات وأن هنالك بائعات شاي خريجات مختبرات طبية.
وكشفت عن وجود (25) ألف بائعة شاي بشارع النيل حسب إحصائية الوحدة الأخيرة وأن الوحدة عملت على تمليكهن أماكن ثابتة ومعينات على العمل وأدوات. وتحدثت “نجاة” عن معاناة النساء العاملات بالأسواق وملاحقة المحليات لهن، الورشة وضعت عدة توصيات لتنظيم عمل المرأة في غير المهن المنظمة، منها الحاجة إلى قوانين محلية تحافظ على حقوق المرأة العاملة وتراعي عملها من حيث الزمان والمكان، تقنين المناشط التجارية التي تقوم بها المرأة.. والتي تلعب دوراً كبيراً في المجتمع. تقصير ظل دائرة الاختصاص بالنسبة للنيابات المتخصصة وإنشاء نيابة للأسرة والطفل في المحليات، دعت الحكومة لسن قوانين للتعامل بها مع الدول المستضيفة للعمالة السودانية.
اليوم التالي