أبشر الماحي الصائم

صناعة الصحافة.. الحكومة أكبر الخاسرين

* بطبيعة وفعل التقدم التقني وتعدد الوسائط الإعلامية الحديثة، تتراجع الصحافة الورقية التقليدية التي تصدر عندنا كل صباح، على أن هذه الوسائط الحديثة في المقابل تمتلك تقنية رفع الخبر في حينه معززا بالصوت والصورة، بحيث لم يعد المتلقي بحاجة إلى انتظار نشرة العاشرة المسائية أو صدور الصحف الصباحية ..
* واذا قلنا إنه بالإمكان اختراق مهدد عدم المواكبة الخبرية بتجاوز أدب (الصحافة الإخبارية) إلى عصر (الصحافة الاستقصائية)، والتحليلية بقراءة ما وراء الأخبار فضلا عن التوسع في مدرسة الرأي، فإن ثمة مهددات أخرى ﻻ تقل خطورة تتربص بصناعة الصحف وتحد من عمليات الحفاظ على مكانتها التأريخية.
* وهي بامتياز عملية إرتفاع أسعار مدخلات صناعة الصحافة من أوراق وأحبار، علاوة على الضرائب المرهقة المتحصلة من قبل الدولة ومؤسساتها المتعددة، فضلا عن تراجع الإعلانات وتدني أسعارها مقارنة مع ارتفاع تكلفة إنتاج الصحف، يقرأ كل ذلك مع ضعف القوة الاستهلاكية لهذه الصناعة ولعدة أسباب، هنالك أسباب مادية بطبيعة الحال، على أن كتلة الطبقة الوسطى التي هي تاريخيا المستهلك الرئيس للصحافة، أضحت هذه الكتلة ذات قوة شرائية ضعيفة وذات اهتمامات حياتية ومعاشية ملحة، فتكاد تكون مستغرقة تماما في دوائرها الحياتية المرهقة، يقرأ كل ذلك مع عمليات ضيق الأجهزة الحكومية بما يكتب في هذه الصحافة على (قلة حيلتها)، ومحدودية تأثيرها وانتشارها، على أن خطورة هذا الفعل العقابي الموجع، الذي يعرض الصحيفة إلى خسارة كبيرة حال مصادرتها بعد الطبع، خطورته تكمن في جعل الصحافة تمشي إلى جوار الحائط مخلفة مواد خاملة تضمن لها فقط البقاء على قيد الحياة وﻻ تثير وﻻ تسر جمهور القراء، بحيث تنزع منها جرأتها في طرح المواضيع والأفكار والرؤى الجاذبة، وهذا يزيدها بواراً على بوارها وتراجعاً وعزوفاً من قبل رواها الذين ﻻ تخاطب في هذه الحالة اشواقهم وتطلعاتهم .
* وﻻ أعرف إن كانت الحكومة تدرك، بأنها ستكون أكبر الخاسرين من عمليات ضعف وتراجع الصحافة الورقية!! فعلى الأقل إنها آخر أنواع الصحافة المهنية المسؤولة التي تخضع لمعيار صدقية النقل من المصادر الموثوقة، الصحافة الوطنية التي تنتج الرؤى والأفكار وتنقل تصريحات الحكومة وتنشر إعلاناتها وتهتم بالمستقبل والاستقرار والتنمية، على أن الصحافة هي أكبر مستهلك لبضاعة الحكومة وأكبر مروج لفعالياتها وأنشنطتها، ستكون الحكومة أكثر الخاسرين إذا تسيدت الوسائط الحديثة المشهد الإعلامي دون رقيب وﻻ كتاب منير، يوم نغرق جميعا حكومة وشعبا في غثاء المواقع والمنتديات واختلاق الإلكترونيات التي ﻻ تخضع إلى معايير مهنية وﻻ أخلاقية.. سنبكي يومها الصحافة، حيث ﻻ يفيد البكاء وﻻينفع الندم !!
* صحيح أننا لا نستطيع أن نوقف قدر رحيل الصحافة المحتوم، لكننا يمكن أن نؤجله لعدة سنوات أخرى إذا ما مهدنا السبل أمام صناعة الصحافة، باتخاذ عدة خطوات على صدرها رفع الضرائب والمصادرات، وخفض كلفة المدخلات واتساع صدر وسقوفات الحكومات الاتحادية منها والوﻻيات و.. و.. و ..
* أكتب هذا على إثر قرار السيد النائب الأول الجريئ برفع الجمارك عن مدخلات الصحافة، وذلك في سياق مجهودات اتحاد الصحفيين في رفع شأن ممارسة المهنة وتهيئة مناخاتها، وتبييض وجهنا ووجهها باستضافة مناشط الاتحادات الإقليمية والدولية و.. و..
* إذن بات على ملاك الصحف وصناعها وشغيلتها قبول منحة السيد النائب الأول، ثم المضي قدما لنيل المزيد من الحقوق والواجبات المستحقة.. والله ولي التوفيق.