منى سلمان

جو فانتاستك

من بعد طول محل وجفاف وتأخر للخريف تعيش الخرطوم هذه الايام اجواء باريسية .. غيوم ونسايم وبروق عبادية جالبة لبركات السماء .. مما حفز قريحة مبدعي الطرفة للتجلي فتوالت القفشات عبر الفيس والواتساب .. قال احدهم تعليقا على الامطار الصباحية:
الليلة صحيت من النوم لقيت الخرطوم عاملة فيها لندن ؛!!
وقال اخر استفزه تفاعل رواد المواقع الاسفيرية مع المطر وتناقلهم لصور وفيديوهات توثق للحدث لحظة بلحظة .. قال ساخرا:
السودانيين ديل مساكين خلاص .. مطرة تفرحهم !
على كل حال هي فرحة لحظة نعيشها ونستمتع بهبة السماء قبل ان تنعكس الاحوال ونعاني الاهوال من تبعات تراكم المياه .. فكلما حكمت علي الظروف بأن أغادر بطن بيتي عقب هطول الأمطار ، وجدت ان المياه قد غطت الأفق وملأت جميع الحفر والعالي واطي بكفاءة منقطعة النظير .. حقيقة ابداع يخلى الواحد يحس بعظمة أن تعيش وسط البحيرات العظمى، ورومانسية السكن في فينيسيا .. تقول لي يفتحوا المجاري عشان نفقد بهجة المنظر ؟ ثم إنو هو ذاتو الموية وينا ؟ نحنا لاقنّها وين عشان نسمح ليها تتصرف وتمشي البحر .. أخير خلّوها قبلا .. دايرنّها بي جنّها وجنادبا وباعوضا .. بتنفع ذات كتمة!
اذكر اني غادرت البيت مع العيال بعد ليلة ماطرة لزيارة شقيقتي التي تسكن غير بعيد، حيث أضطرتنا ظروف المطر والبحر ودقة القيفة قدام الباب، لإمتطاء ظهر (رقشة) مرت صدفة بي بيتنا .. شقت بنا عباب الماء بسرعة شكّلت خلفها دفعات من الموج، كانت ترتضم بحيطان البيوت، فخبرنا روعة الإحساس بأننا نمتطي (لنش) يمخر بنا عباب النيل ورزاز الماء يتطاير من حولينا وعلينا، خاصة عندما عبرت بجانبنا إحدى الفارهات، زادت طينتنا بلّة حين كتّحتنا بعجاج موية اللساتك فابتلت منا المتن والحواشي .. ما فضّل لينا غير نقطع في الحاصل قصيدة !
مخرج:
وكتمت أشواق الحنـين داير الدموع يتـقّـلو !
بمناسبة المطر وجو العصيدة بي ملاح التقلية .. كان الصحفي الخلوق (عادل الشوية) قد استنطق صاحب (هـجرة عـصافير الـخريف) الرائع اسحق الحلنقي، وسأله عن مناسبة القصيدة .. بالمناسبة هذا نوع من الشمار لا أحب أن أعرفه، رغم اجتهاد الكثيرين في مطاردة الشعراء لمعرفة المناسبات التي قيلت فيها قصائدهم، لأن معرفة تلك التفاصيل في رأيّ – تذهب بسحر وغموض القصيدة، وقد تخالف الصورة التي كنت تضعها في ذهنك عندما تسمعها، ولعلي حكيت عن احساسي عندما سئل صاحب (قالوا علي شقي ومجنون) الكاسرة فيني ضلعة عن مناسبتها، فأجاب : (كتبتها ساكت كده بس) .. عاد ده كلام ؟
على كل حال، لم يخيب الحلنقي ظني في الظروف التي جاء مخاضها برائعة وردي، فقد قال أن الرزاز وبقايا مطرة مع صوت عصفور حزين في عشة أعلى الشجرة، كلها دفعت بدفقات الحنين لكسلا واهلها في عروقه فكان ميلاد القصيدة ..
مخرج تاني
كتمت اشواق الحنين .. داير الدموع يتقلو
ورجعتا خليت الدموع يرتاحو مني وينزلو

تعليق واحد