علا الفارس : زواج مع وقف التنفيذ..!
أمسكت بيدي ذات مساء بحرارة ولهفة وأجلستني في مكان منّزوٍ، وقالت يا علا الشاعر الحكيم يقول:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يسلّيك أو يتوجّعُ
فأصابتني الدهشة، وشخصت عيناي، وقلت لها يا حبيبتي حدثيني بكل ما شئتِ، حدثيني وافتحي قلبكِ ولا تترددي، فالبوح فيما بيننا كحديث النفس للنفس يا غاليتي، وكلٌ لديه من الهموم ما تتصدّع منه الجبال؛ لكن الرب أكرمنا بالصبر والتجلّد والسلوة، فقولي يا جميلتي دون ترتيب أو تنميق، فحكت لي قصّتها التي كانت ولاتزال قائمة مع ذلك الرجل الشرقي الذي أحبها، وأعلن لها عشقه وهيامه، وأنها فتاة أحلامه، وأنه قد اختزل سعادته فيها، وقربها ودخولها في حياته، وفي المقابل هي كأنثى بطبيعتها وتركيبتها بادلته نفس الشعور والأحاسيس، وقدّمت الوفاء لهذه العلاقة، وأغلقت الأبواب أمام كل أحدٍ يريد طرقها، وقدّست الارتباط الروحاني بينهما منتظرةً الخطوة اللاحقة لهذه العلاقة بالرابطة الاجتماعية بميثاقها الغليظ بالزواج، إلا أنه طال انتظارها أمام ضرب المواعيد المتلاحقة، التي تمتد لفترات ما بين ألمٍ وأمل، ورجاءٍ وتفاؤل بحسم هذه الرابطة بقرارٍ مريح يجمع هذين الحبيبين تحت سقف واحد، أو يفتح لكلٍ طريقه في رؤية حياته قبل الفوات..!
طال بوح صاحبتي واسترسلت في سرد حكاويهما وجمال الأيام والليالي التي قضياها سوياً، ومواقفهما والصعوبات التي واجهتهما في نظم فصول هذه القصة بينهما، وما أمضياه من مدةٍ طويلة للتمهيد للخطوة اللاحقة، فاستوقفتها عن إكمال الحديث وقلت لها يا سيدتي قصتكِ مع هذا الرجل الشرقي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، وقد سمعت أمثالها ولازلت.
يا سيدتي.. الحب حالة جميلة لها قدسيتها وقواعدها ومبادئها التي لا تتغير ولا تتبدل، بل ويجب أن تحترم من الطرفين لتستقيم هذه العلاقة وتؤتي ثمارها المرجوة.
يا سيدتي .. يجب أن تعلمي أن الحب عطاء متدفق للحبيب، وتضحية لا حدود لها من الطرفين، وإذا كان العطاء أو التضحية من طرف واحد فما أمرّها من علاقة..! بل حتماً لن يكون هناك حبٌ صادقٌ فيها.
وأنت يا سيدي.. لا يخفى عليك أن هذه الأنثى الجميلة والرقيقة ونقية الجوهر قد وهبتك أعز وأغلى ما لديها وهو قلبها؛ فأحسن إليها، ومنعت أي أحدٍ من القرب منها بسببك، مضحيةً بأيامها ولياليها وزهرة شبابها من أجلك، ولتعلم أن ترددك في حسم أمر ارتباطكما مقلقٌ بالنسبة لها، والمعصوم عليه السلام قد قال: “رفقاً بالقوارير”، فليس من الجميل أن يستقر في وجدان هذه الأنثى أنها كالمعلقة في انتظارها أو في ترددك وتراخيك في قطع دابر ما يراودها من ظنون أو شكوك، لاسيما وأنت تجدد لها حبك مع صبيحة كل يوم، ولا أظنك عابثاً بمشاعرها، أو أنك لست جاداً في علاقتك بها، بل أربأ بك من ذلك..!
وإلى كل حبيبين.. ليس أجمل ولا أروع من أن تتوّج قصص الحب بالبياض (الزواج)، فهو التعبير الحقيقي عمّا في القلب، وهو المقياس الصادق عن حجم التضحية والعطاء الذي يقدمه الحبيب لمحبوبته، والألم ثم الألم أن يفوت القطار، وتمضي السنون، وتظهر الحقيقة المرة بأنها قصةٌ للتسلية، يرحل جوهرها وتبقى آثارها المؤلمة والجارحة التي لا تبرأ، في ظل غياب محكمة الضمير..!