محمد لطيف : أمبيكي.. الوسيط الذي يبحث عن وسيط
قلت في عدة مناسبات.. وكتبت هنا أيضا.. إن المفاوضات مع الحركة الشعبية شمال أعقد مما يتصور الكثيرون.. وقلت حجتي في ذلك.. قلت إن مالك عقار.. رئيس الحركة.. يفاوض وعينه على الدمازين.. وهذا سقف سهل وميسور.. ومقدور عليه.. وجرب المؤتمر الوطني أن يتنازل عنه.. وإن عبد العزيز الحلو رئيس أركان الجيش الشعبي.. يفاوض وعينه على كادوقلي.. وهذا هو الآخر سقف سهل وميسور.. ومقدور عليه.. وسبق للوطني أن فكر جديا في التنازل عنه والتوجه غربا.. غرب كردفان.. ثم قلت.. أما ياسر عرمان فهو يفاوض وعينه على الخرطوم.. وهذا مربط الفرس.. وأن يكون ياسر عرمان على رأس الوفد المفاوض.. فهذا ما يجعل التنبؤ بتعثر المفاوضات.. إن لم يكن فشلها.. هو الاحتمال الأرجح.. وهذا هو ما يجعل خارطة التفاوض سمتها الاستطالة والتمدد في الزمان.. والتعدد في الجولات.. ودون اختراق حقيقي في نهاية المطاف..!
وقد يذهب البعض إلى استسهال استنتاج السبب بحصره في شخصية ياسر عرمان المفاوضة.. وكيف أنه متشدد ومتعصب.. إلى آخر الموال.. ويذهب البعض إلى ما هو أسوأ من ذلك بزعم أن ياسر لا يريد خيرا للسودان وأهله.. ولسبب من هذا فهو يطيل في أمد المفاوضات.. ولكن في المقابل ثمة من يقدم قراءة موضوعية أخرى.. في تحليل موقف ياسر وتأثيره على سير المفاوضات.. أصحاب هذه القراءة.. والذين يرون في ياسر شخصية اجتماعية ودودة من الطراز الأول.. بسيطا محبا للبساطة والبسطاء.. جادا في ما يفعل.. إلا أنهم يرون أن ياسر يحمل.. سياسيا.. تصورا في ذهنه أقرب لتصورات الراحل قرنق.. في كيفية التغيير.. وغني عن القول إن الراحل قرنق كان التغيير بالنسبة له يعني إعادة هيكلة السودان.. ولا شك أن ياسر وبعد انكشاف ظهره برحيل قرنق ربما قد تنازل عن حكاية هيكلة الدولة.. ولكن المؤكد أن سقفه ما يزال عند تفكيك النظام..!
إذن.. حين نقول إن ياسر يفاوض وعينه على الخرطوم.. فإنما نعني هذه العبارة.. تفكيك النظام.. ولا ننسى.. أن ياسر قد بنى مجده السياسي.. منذ انتهاء الحرب.. وحتى انسحابه.. أو سحبه من الانتخابات على هذه العبارة.. وهو يرى.. ويتفق معه البعض.. أن النظام لا يمكن أن يقنع الآخرين بأنه يمكن أن يأكل الخبز ويحتفظ به في ذات الوقت.. أي أن التغيير يقتضي تفكيك النظام.. وحيث أن النظام.. أو المفاوض الجالس على الطرف المقابل من طاولة المفاوضات.. ليس من الغباء بحيث يفاوض لتفكيك نفسه.. ولا يرى مسوغا لهذا التفكيك.. سيما وأنه لا يرى ما يجبره على ذلك.. وطالما ظل ياسر ممسكا بالملف من هناك.. فلا أمل في اتفاق..!
تسألني ما المناسبة..؟ أقول لك إنها زيارة أمبيكي الأخيرة للخرطوم.. الوسيط الذي يبدو.. في ظل تحليلنا أعلاه.. كمن يبحث عن وسيط لإيجاد معادلة قابلة للتعاطي الوطني..!