تشريعي الخرطوم.. وهن الفرزدق يوم جرب سيفه
وأمس حين كنت أتصفح يومياته، بدا لي يوماً مذهلاً وسحرياً، إذ تصورت أنني أقيم في أمريكا أو أوروبا الغربية أتمرغ في ديمقراطية ويستمنستر وأقرأ أخبار مجلس اللوردات أو أتقلب في (جنيفا) ومن على أرائكها أطالع الصحف، أو أمشى الهويني في واشنطون خطوة باتجاه مجلس النواب وأخرى باتجاه مجلس الشيوخ، لكنني ما لبثت أن أفقت من (رحلتي الذهنية) وعدت من (سفرتي الروحانية) إلى حال كوني ماكثا في الخرطوم ومقيما فيها أمشي في مناكبها و(ألتقط) بعض رزقها، وأعرف أخبارها وما وراءها تماماً كمعرفتي (بجوع بطني).
تلك الغيبوبة الذهنية الطارئة التي أصابتني، لم تكن بسبب خلل (فسيولوجي) بل كانت بسبب خبر، ومن الأخبار ما يوجع ويُمرِضْ ومنها ما يقتل أيضاً، وهكذا كدت (ألحق أمات طه) لولا إرادتي القويِّة وشكيمتي المتينة وعزيمتي الفذّة، فيا لك من خبر (يا خبر المجلس التشريعي بولاية الخرطوم)!
لكن، أمهلوني قليلاً، ريثما التقط أنفاسي لأخبركم به، وخلال هذه (المُهلة)، أرجوكم اقرأوا معي متناثرات (غير منتظمات) من شعر جرير: (وهنَ الفرزدقُ يومَ جربَ سيفهُ/ قَيْنٌ به حُمَمٌ وَآمٍ أرْبَعُ/ زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أنْ سيَقتُلُ مَرْبَعاً/ أبْشِرْ بطُولِ سَلامَة ٍ يا مَرْبَعُ/ هَذي الصّحيفَة ُ مِنْ قُفَيرَة َ فاقْرَأوا عُنْوانَهَا، وَبِشَرّ طِينٍ تُطْبَعُ)
ثم اسمعوا الحكاية، تشريعي الخرطوم يطالب الحكومة بالاعتذار عن زيادة تعرفة فاتورة الماء، تشريعي الخرطوم يلوِّح بسحب الثقة من أي وزير مقر، وسنعود إلى التفاصيل المدهشة. لكن قبل أن نسطرد فيها ونستغرق، ألم تأخذ الدهشة بتلابيب أرواحكم حتى ظننتم مثلي أنها ستصعد إلى الرفيق الأعلى جراء (كلام) تشريعي الخرطوم هذا؟، ألم تتساءلوا مثلي أتشريعينا هذا الذي نعرفه، أم تشريعي (أريزونا) مثلاً؟ ألم تصابوا بنوعٍ من الجنون والهسترة وانتم تقارنون هذه التصريحات الغريبة العجيبة التي تطالب وتلوح بالاعتذار وسحب الثقة على التوالي، ومن من؟ من الحكومة ووزرائها، أهذه صحيفة تشريعي الخرطوم وسيرته التي نعرفها منذ أمد بعيد أم سيرة (عمودية نيويورك)؟
أما التفاصيل، فإن التشريعي الخرطومي سالف السيرة والإشارة، أهرج علينا واهتاج على الحكومة من أجلنا حتى ظننا أنها ستهر عنه وأنه سيشذب قتادة من يليها من وزرائها الكرام (في الحال)، دونما تأجيل، فدفع إلى الصحف على خلفية تلويح وزارة الكهرباء وهيئة المياه بزيادة تعرفة الخدمتين بتصريحات مثل: ستتم محاسبة كل المقصرين وما في كبير على المحاسبة، ونحن منتظرين اعتذار وزير البنى التحتية، مصارف المياه بالولاية مثل ود (اللحد)، والـ(واوات) المحشوة وعيداً وتهديداً لا تنتهي.
هل تصدقون أيها القراء الكرام، أن هذا هو الحجم الحقيقي لمجلسكم الموقر؟، وهل لديه القدرة والسلطان والصولجان ليقارع الحكومة ووزراء الحكومة ومعتمدي الحكومة، (ومربع) الحكومة؟ للأسف، لن تعدو (خبريات التشريعي) تلك، إلا كونها زعماً كزعم الفرزدق بقتل مربع، لكن في واقع الأمر فقد (وهنَ الفرزدقُ يومَ جربَ سيفهُ)، وسيهن التشريعي لأنه لا سيف له ليجرب.