جعفر عباس

قارة بكر وولود

هناك مجالات فشلت فيها فشلا ذريعا طوال حياتي: الحب والحرب والمال
Three Ws: women, war and wealth
والسبب في ذلك أنني لم أحاول الدخول فيها، وخلال سنوات المراهقة وبواكير الصبا كان كثير من رفاقي يتباهون بغزواتهم العاطفية، فصرت أؤلف قصصا سيئة الحبك عن مغامراتي في دنيا الحب مما جعلني أضحوكة، ومنذ أن دخلت الحياة العملية أدركت أنني لن أكون غنياً يوما ما، لأنني من النوع الذي يبحث عن الوظيفة المضمونة ذات الراتب المحدد، والموظف قد يصبح غنيا في واحدة من حالتين أو في الحالتين معاً: أن يصبح حراميا ويستغل وظيفته للكسب غير المشروع، أو أن يكون مغامرا ويستغل وقت فراغه في نشاط يعود عليه بدخل إضافي. وشخصيا ليس عندي أي استعداد للمغامرة براتبي كما أن الله برمجني بحيث لا أكون حراميا ولا مرتشيا. وبالمناسبة فإن المجال الذي أعمل فيه، وهو الإعلام والصحافة، يتيح لمن لا ضمائر لهم ان يؤجروا أعمدتهم وبرامجهم مفروشة، بل وفي كل بلد هناك جهات تشتري ذمم الإعلاميين كي يتكلموا أو يصمتوا عن أشياء معينة، ولكن وبالمقابل فإن غالبية الإعلاميين وبرغم تعرضهم لغواية بيع الذمة بمبالغ وامتيازات كبيرة، يصمدون وينتصرون لأخلاقهم وقيمهم، بل إن بعضهم – وعندما تقترن محاولة شراء ذمته بالتهديد – يضحي بالمهنة وينتقل للعمل في مجال آخر. أما الحرب فمعاذ الله أن أكون من أنصارها.
زرت السودان الشقيق عدة مرات في السنة في الأعوام الأخيرة، مما جعلني أنتبه جيدا إلى أنه بلد بكر و«خام» ويفتقر إلى المرافق في كل النواحي: الطب والتعليم والسياحة الخ.. وفي تسعينات القرن الماضي وبواكير القرن الحادي والعشرين كانت شركة الاتصالات السودانية هي الأكثر نموا في العالم، ولا يعزى ذلك الى أن السودان شهد معجزة اقتصادية، بل لأن بنية الاتصالات كانت منهارة تماما، وفي عصر ما قبل الهواتف الجوالة كانت الهواتف الأرضية على الحال التي تركها عليه الإنجليز عند انتهاء استعمارهم للبلاد (عام 1956)، وكان السودان من بين دول قليلة في العالم يتعذر الاتصال المباشر بهواتفها. يعني لازم تروح بدالة هاتف وتقف في الطابور ثم يطلبون لك الرقم، فتكلم من تريد بالصياح، ويسمع أسرارك العائلية من يقفون في الطابور في انتظار دورهم: البنت دي ما تصلح زوجة يمه. دي نعجة.. إما نايمة أو بتأكل.. بيعوا الدولارات في السوق السوداء لأن الصرافات والبنوك حرامية ولما قامت شركة الاتصالات السودانية بتحديث شبكاتها في بلد قارة تهافت الملايين على خدماتها، وكان أول من انتبه إلى هذا السوق هي مؤسسة «اتصالات» في دولة الإمارات التي جنت حتى الآن أكثر من عشرة أضعاف قيمة الأسهم التي اشترتها من الشركة. وقس على ذلك في قطاعات الخدمات الأخرى. طبعا الصينيون لديهم حواس شم قوية فدخلوا في كل مجال في السودان: فتحوا المستشفيات والفنادق، بل هناك آلاف العمال الصينيين يعملون في مهن يدوية في مختلف المشاريع في السودان والله لا أقول هذا من باب الترويج للاستثمار في بلدي، بل أقر بأنني جاهل في هذا الميدان وربما تكون استنتاجاتي خاطئة، لكنني وبصفة عامة أعرف أن إفريقيا «على بعضها» بوجه عام «خام»، وتعاني من المجاعة في كل المجالات الخدمية. ولكن هناك اليوم 200 مليون إفريقي يحملون هواتف نقالة، وتبلغ نسبة النمو في هذا القطاع 35 بالمائة سنويا، أي أعلى من نسبة النمو في آسيا.. وفي الكنغو مثلا (60 مليون نسمة) هناك فقط 10 آلاف خط هاتفي ثابت بينما هناك نحو عشرين مليون شخص يحملون الهواتف النقالة، وتشاد التي تعد واحدة من أفقر خمس دول في العالم ارتفع فيها عدد الهواتف الجوالة من 10000 إلى مليون في سنتين فقط.. هذه قارة بكر يستطيع كل مستثمر ذكي الاقتران بها بالحلال لتنمو ذريته من الأموال.

jafabbas19@gmail.com

تعليق واحد