أمة (غائبة) .. من يشحن البطارية؟!
الغياب الكثيف الذي شهدته معظم الوزارات والمصالح الحكومية والشركات العامة في أول وثاني أيام الدوام (الثلاثاء) و(الأربعاء) بعد نهاية عطلة عيد الفطر المبارك، يؤكد حقيقة واحدة وثابتة أننا أمة غير منتجة، نعشق الإجازات و(نموت في الركلسة)!! وبعض الذين غابوا عن العمل لم يكونوا بالولايات الطرفية، فحالت أزمة المواصلات دون وصولهم للخرطوم في وقت باكر، بل كانوا (معيدين) هنا في العاصمة المثلثة، لكن الإجازة التي منحوها لأنفسهم، ولم يقررها مجلس الوزراء، لم تنتهِ بعد!!
قبل سنوات، دخلت في حوار عابر مع إحدى الموظفات بوزارة المالية إثر تعليقي على حضورها متأخرة وخروجها مبكرة، فقالت لي: (بنشتغل ليهم قدر “ماهيتهم”)!! وللأسف فإن هذه العبارة تمثل مركز مفاهيم العامة تجاه قيمة العمل في السودان سواء أكان ذلك في القطاع العام أو الخاص!! عندما خرج السادة (الإنجليز) من بلادنا تركوا لنا (خدمة مدنية) مثالاً ونموذجاً يحتذى به على مستوى العالم، وليس المنطقة العربية والأفريقية، فكثير من بلاد العرب والأفارقة كانت ما تزال ترزح تحت حكم الاستعمار ولم تنل حينها – (منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم)- عضوية نادي الدول المستقلة. ترك لنا (الإنجليز) خدمة مدنية بقواعد راسخة وبنيان مرصوص، ونظم صارمة وأدبيات وثقافة عمل متعمقة ملامحها الإخلاص والتفاني والانضباط.
لم يكن الموظف (يرتشي) في الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات، ولم يكن يعرف مصطلحات المحدثين (حقنا وين .. طلع لي نسبتي .. والكوميشن وردو لي في حسابي في بنك كدا و…)، ليس لأن الموظفين في الماضي كانوا أكثر (تديناً) من الأجيال الحاضرة، لا .. فالذين أعقبوهم في خدمتنا المدنية أكثر حرصاً على صلواتهم في جماعة، ويصومون (الاثنين) و(الخميس)، ويحجون إلى بيت الله الحرام ويعمرون مرات ومرات، ولا يعاقرون (الخمر) التي لم تكن عيباً ولا حراماً في بعض مجتمعاتنا في غابر العقود!!
إذن هي ثقافة كلية (غردون التذكارية) التي سقاها المعلمون (الخواجات) للأجيال السابقة من أبناء السودان ابتداءً من المرحلة الإعدادية ثم الثانوية وصولاً للكلية.
(الخواجات) غالباً لا يكذبون .. يقدسون العمل.. يحترمون قوانينه .. ليس لديهم – كأفراد – شره تجاه المال إلا ما يوفر لهم المأكل والمشرب والسكن والعلاج . ليست لديهم رغبة عامة في امتلاك البنايات الشاهقة والأراضي الممتدة، ولا تحب نساؤهم اقتناء الحلي الذهبية بالكيلو جرامات، كما تفعل نساء العرب وخصوصاً نساء السودان!!
المنظومة التي أسسها (البريطانيون) في السودان من خدمة مدنية مستقيمة، وتعليم متطور بمستوىً مساوٍ لمستويات جامعات “كيمبردج” و”لندن” و”أدنبره”، وسكة حديد تربط الخرطوم بـ”واو” في بحر الغزال وقبلها بـ”المجلد” و”بابنوسة” وشمالاً “وادي حلفا” وشرقاً “بور تسودان” قبل سبعين عاماً، بالإضافة إلى مشروع الجزيرة.. أكبر مشروع مروي في العالم الذي كان ناجحاً ورابحاً في عهد (الخواجات) وخاسراً في زمن السودانيين!! كل هذه المنظومة ظلت قوة دفع مستمرة ربما إلى نهاية عقد السبعينيات، ومن بعد ذلك نفدت (البطارية)، ولم يعد لدى قادة الحكومات الوطنية (شاحن) جديد ليشحذ الطاقات بأفكار ومفاهيم جديدة في خدمة البلد.
نحتاج الآن إلى ثورة مفاهيمية تعيد صياغة الأجيال القادمة (الجفلن خلهن .. اقرع الواقفات).. لابد من التأسيس لثقافة وطنية واحدة يتم غرسها من مرحلة (رياض الأطفال) كما فعل (الإنجليز) مع أجدادنا وآبائنا، ولكن كيف يتحقق ذلك إذا كانت وزارة التربية تسمح بتدريس مناهج أردنية وسعودية وغربية – بدون موجهات ورؤية – في رياض الأطفال ومدارس الأساس (الخاصة)؟!
المجهر السياسي
اكبر دمار حدث للخدمه المدنيه حدث في عهد المشروع الحضاري علي يد التمكين فقط….لسنا في حوجه الب شاحن او بطاريه بل في في حوجه ماسه وسريعه لمغادرة اخوانك بتاعين المؤتمر الوطني للسلطه وخلو اللف والدوران عينك في الفيل وتطعن في الضل
شاهد عصر
مقال واقعي محترم ـ ونحتاج الى بطارية جديده أما الخدمة المدنية فقد إنهارت فى السودان فى زمن الأحزاب
لأن الناس كان جل وقتهم وهمهم الأول الذهاب باكرا والوقوف في الصفوف للحصول على :-
1- جالون بنزين واحد
2- عدد من الأرغفة (خبز)
3- رطل سكر – تمنة شاي
4- رطل زيت أو قطعة صابون
5- صفوف الرزيله ـ الأندايات
الكيزان معروفين بحبوا شحن البطاريات