الدائرة يمكن أن تدور على غندور وغيره
يلزمني أولاً توضيح أن ما عنّ لي الكتابة عنه اليوم ليس المقصود به البروف غندور وزير الخارجية في شخصه، وإنما كل النافذين والحاكمين الآخرين، ولم نختر من بينهم غندور إلا للضرورة التي فرضتها (إستراتيجية العنوان) كما يقول حبيبنا عادل الباز، ولا يسألني أحد عنها ومن أرادها فعليه بالباز طرف الغراء (اليوم التالي) أو العمارة الكويتية، كما تلزمني أيضاً الإشارة الى أن العنوان عاليه مستلف من الهتاف الإنقاذي الشهير (الدايرة تدور على الطابور) وهو الهتاف الذي كانت تنطلق به حناجرهم كلما استطاعوا تجاوز مطب أو مصيبة ما، وتمكنوا من إعادة الأمور الى نصابهم ولا نقول نصابها الصحيح، أما ما عن لي الكتابة عنه من وجهته السياسية وليس القانونية، فهو ذلك الحكم القضائي الذي قضى بعشرين جلدة على كل من الأساتذة: مستور أحمد محمد، المسؤول السياسي بحزب المؤتمر السوداني، وعاصم عمر وإبراهيم زين، عضوي الحزب، ونفذ الحكم نهار الاثنين الماضي، في سابقة تعد الأولى في تاريخ السودان الحديث، وكانت التهمة التي أدينوا بها هي (الإزعاج العام) وكان هذا (الإزعاج العام) هو حديثهم في مخاطبة عامة في أحد أسواق الخرطوم تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.
من بين مطالعاتي على ردود الأفعال والتعليقات التي أعقبت هذا الحكم، وبعيداً عن ما يكفله الدستور من حريات عامة (حرية النشاط السياسي وحرية التعبير إلخ)، استوقفتني ملاحظة ذكية لحبيبنا الدكتور خالد التجاني صاحب صحيفة إيلاف الاقتصادية أوردها ضمن إفادته التي أدلى بها أمس حول هذه العقوبة لهذه الصحيفة (التغيير) وطرحها في شكل تساؤل استنكاري مفاده (لو كان هؤلاء الذين في السلطة في المعارضة هل يقبلون لأنفسهم أن يعاقبوا بمثل هذه الطريقة)، الإجابة التلقائية المؤكد أنهم لا يقبلون، والبديهي هنا أن ما لا تقبله على نفسك يقتضيك العدل والمنطق أن لا تقبله على الآخرين، ومن كان في السلطة اليوم قد تدور عليه الدائرة ويصبح غداً في المعارضة وينتقل من دعة الحكم وصولجانه الى شقاء المعارضة وبؤسها وليس ذلك على الله ومن بعده الشعب ببعيد، فمن كان في السلطة اليوم فليتحسب ليوم مفارقتها والعكس صحيح، وتحضرني بهذه المناسبة الطرفة المحكية عن الزعيم المايوي الذي قالوا إنه عندما تصبب عرقاً داخل إحدى زنزانات سجن كوبر العتيق الذي حلّ فيه سجيناً بأمر جماهير انتفاضة أبريل، وغلي الدم في عروقه بسبب (البوخ) الذي نفثته جدران المحبس الضيق، صاح بكل ما يعتمل داخله من ضيق في وجه زميله وزير الداخلية الذي كان يقاسمه الحبس (ما قلنا لديكم كندشوا السجون).