بين باقان أموم وأمن السودان القومي
وبكل قوة عين يعلن سفير جوبا في الخرطوم عن زيارة سيقوم بها باقان أموم للسودان بدون علم حتى وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، وكأن السودان ضيعة في مملكة باقان.. إنها آخر ما تفتقت عنه (عبقرية) كبير أوﻻد قرنق بعد أن عاد إلى موقعه أميناً عاماً للحركة الشعبية ليقنع الجنوبيين الذين مزقتهم الحرب الأهلية شذر مذر، وجعلت دولتهم أحاديث بعد أن انهارت تماماً أو كادت وأصبحت مجرد اقطاعيات قبلية ﻻ يربط بينها رابط وﻻ يجمعها جامع.. حيث أراد باقان أن يرسل رسالة إلى العالم وإلى شعبه قبل ذلك أنهم دولة تفاوض وتتحدث بلسان واحد بل أراد أن يوحّد الجنوبيين خلف عدوهم القديم المتمثل في الشمال.
نعم.. فقد أراد باقان أن يعود إلى نفس الأجندة القديمة من حيث انتهى قبل التطورات والانشقاقات والحروب التي عصفت بدولتهم، متجاهلاً شلالات المياه التي اندفقت تحت الجسر في كيانهم الجديد خلال الفترة منذ انفجار الخلافات بين الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار في ديسمبر 2013م، ولذلك أطلق تصريحاته المخادعة بأنه سيأتي إلى الخرطوم ليناقش إنفاذ الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين، وكأن شيئاً لم يحدث منذ تلك الأيام حين كانت الدولة الجديدة والحركة الشعبية والجيش الشعبي بل والقيادات الجنوبية موحدة والحرب الأهلية لم تشتعل والجنوب لم يتحول إلى حطام والقبائل والقيادات الجنوبية لم تتمرد على سلطان الدينكا والرئيس سلفاكير والبترول لم يتوقف ضخه والجنوب لم يجع ويشعبه لم يتشرد ويتفرق أيدي سبأ في دول الجوار .
باقان حاول أن يقفز على كل ذلك الواقع المأساوي، متجاوزاً كل تلك التطورات ظاناً أن الخدعة ستنطلي على السودان الذي توهّم أنه سيتعامل معه كما لو كان ﻻ يزال ذلك الصقر الجارح الذي لطالما هش وبش في وجهه أوﻻد نيفاشا ودللوه وضاحكوه في زيارته الأخيرة التي قام بها بعد الانفصال متجاهلين كل نزقه وتطاوله وتهجمه على السودان وشعبه الذي ودعه بعبارات الكيد والحقد والكراهية (ارتحنا من وسخ الخرطوم) (باي باي عرب) (باي باي للعبودية).
لم يدر باقان أنه لم يعد ذلك الرجل ولم تعد دولته تلك الدولة التي كانت تتعامل بتعالٍ وتطاول مسنودة من أمريكا وكثير من الدول الأفريقية فقد تغيرت موازين القوى وما عادت دولته إﻻ كياناً هشاً ﻻ يعترف بحكومته حتى رياك مشار الذي كان نائباً أول لسلفاكير ناهيك عن القبائل التي باتت تطالب بالانفصال عن دولة الدينكا المتسلطة..
مع من يريد باقان للخرطوم أن تنفذ الاتفاقيات السابقة وأين هي الدولة التي تنفذ الخرطوم معها اتفاقاً؟.
ثمة سؤال آخر هو: بأية صفة يتحدث ويفاوض باقان أموم الآن؟ هل بصفته أميناً عاماً لحزب الحركة الشعبية؟ إن كان الأمر كذلك فان الطرف الآخر الذي ينبغي أن يجلس في مواجهة باقان هو المؤتمر الوطني الذي ﻻ يملك تفويضاً من الشعب السوداني ومن الأحزاب السياسية ليفاوض ويلتزم ويعاهد ويتعاقد بالنيابة عن السودان، أما الحكومة السودانية التي تفاوض عن السودان فان باقان وحزبه ﻻ ينبغي أن يقابلاها في أي تفاوض إنما ينبغي أن يقابلها وزير أو مسؤول من حكومة الجنوب.
أعلم يقيناً أن عودة باقان الذي كان معتقلاً مع بعض أوﻻد قرنق بعد انفجار الحرب بين سلفاكير ومشار ما عاد لمنصبه إﻻ بتوجيهات من الرئيس اليوغندي موسيفيني العدو الإستراتيجي للسودان والحاكم الفعلي لجنوب السودان والذي لوﻻه لسقط سلفاكير وجيشه الشعبي على أيدي الثوار من القبائل الأخرى.
موسيفيني جزء من مشروع السودان الجديد الذي نشأ على يد صديقه قرنق بتنسيق مع أمريكا منذ أن ابتعثته استخباراتها للدراسات العليا في جامعة ايوا وحتى إن كان موسيفيني متورطاً في مصرع قرنق لأسباب متعلقة بتعارض المصالح بين دولتيهما فإن موسيفيني لم يتخلّ عن مشروع السودان الجديد الهادف لتغيير هوية السودان وإعادة هيكلته وتشكيله بما يغير من توجهه وطمس هويته الإسلامية العربية الأفريقية ليصبح دولة أفريقية كاملة الدسم وهذا حديث يطول.
معلوم أن باقان كبير أوﻻد قرنق قد صرح لصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية بعد الانفصال بأن مشروع السودان الجديد لن يموت وإنه إذا لم يقم من خلال الوحدة فإنه سيقوم من خلال الانفصال ولا أشك لحظة أن الرجل العقائدي لن يتخلى عن المشروع طالما بقي حياً، ولذلك ﻻ غرو أن يتحدث عن أنه عند زيارة السودان سيعيد الحديث عن الاتفاقيات التي كان مشروعه ومشروع عرمان اﻻستراتيجي في صلبها واحد أهم مرتكزاتها.
صحّ لسانك يا خال.