الهجرة إلى الخرطوم.. ذهب المضطر نحاس
ستظل ولاية الخرطوم هي مقبرة معنوية لكل الولاة الذين يحكمونها مهما ارتفعت قدراتهم وإمكانياتهم الإدارية والتنفيذية ومهاراتهم في توفير المال المطلوب لتسيير العمل وضخ الخدمات.
لأن المشكلة كبيرة وأوسع من حدود الولاية، ومعالجتها ليست في الخرطوم بل تبدأ من الولايات.. من قرى ومدن السودان التي تودع يومياً قوافل الهجرات الدائمة والموسمية، الطوعية منها وغير الطوعية.
ولا أعتقد أن أنضج تنفيذي على وجه الأرض بمقدوره حل قضايا ولاية الخرطوم بشكل منفصل عن بقية أجزاء السودان التي ترتبط بشكل ضليع في إيجاد وإنتاج كل تلك القضايا والأزمات.
حدود بلادنا مفتوحة على مصاريعها شرقا وغرباً وجنوباً تستقبل الأحباش والإريتريين ومواطني الجنوب وجنوب الجنوب، تستقبل هجرات غير شرعية من تشاد وغيرها من دول أفريقيا.. كيف يتم حساب حصص خدمات وميزانيات صرف في واقع سكاني غير مؤطر؟
وكل ذلك النزوح غير المقنن يقصد محطة نهائية لرحلته هي الخرطوم.. عصابات التسول تأتي من عمق أفريقيا لتمتهن مهنتها الفورية الجاهزة في أرصفة و(استوبات) العاصمة.
كل أنواع الهجرات الريفية القادمة من قرى ومدن السودان.. طوعية كانت أو غير طوعية – أعني الهجرات بسبب الحرب – محطتها النهائية هي العاصمة.
لا تحلموا بمعالجات ناجعة لقضايا الخدمات في ولاية الخرطوم خارج إطار خطة شاملة اتحادية مبنية على توفير الأمن في مناطق الريف أولاً ثم تحفيز أهل الريف على البقاء في قراهم ومدنهم لممارسة حرفهم الإنتاجية المعروفة والتقليدية..
فالشيء الذي يحدد مسارات الهجرة الريفية والدولية في أي مكان في العالم هي الثروات.. فأينما توافرت ثروات هاجر الناس إليها ودائماً نردد (رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده الذهب) وبكل الأسف فإن أنسب توصيف للهجرة إلى الخرطوم قافية الفيتوري بتفسير مختلف عن المعنى الذي قصده الفيتوري حين قال (ذهب المضطر نحاس).. وكان يقصد أن المضطر يبيع ذهبه الخالص بثمن بخس لكننا نقول هم يذهبون إلى الخرطوم ليس لأنها تمثل رمزية الثروة بل لأنهم مضطرون لأن ينظروا إلى (نحاسها) على أنه (ذهب) خالص، بحسب معاناتهم وبحكم الظرف الأسوأ الذي يعيشونه في موطنهم الأصلي خارج الحدود أو أريافهم السودانية التي يستجدي بعضها قطرة أمن تبلل بها ريق الخوف المقيم.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين