آكيه وبس
“كان (دامو) غالباً ما يطوقني بذراعه حتى وأنا جالس أقرأ في هدوء، وكان يسألني عن متابعتي لجديد الأخبار خاصة القادمة من (ليقوس) أو أي مكان آخر، وفي حالة عدم سماعي كان يهز رأسه متحسراً، ويوبخني قائلاً: يجب أن تهتم بمتابعة الأخبار، لا يكفي أن تضع أنفك في هذا الكتاب الميِّت.
سألني: كم عمرك الآن، أجبت: أحد عشر عاماً، فرد: إذن لقد أمضيت عامين في مدرستنا، ذلك ما ينبغي التفكير بشأنه، أليس كذلك؟ ثم اتجه ببصره إلى (بيير) طالباً رأيها، فأجابت: أوه، نعم، نعم، اعتقد أنه يستطيع مواجهتهم في تلك المدرسة، أشار برأسه بابتهاج مردداً: نعم، نعم. إنهم لا يضربون الأولاد بالعصا إلاّ قليلاً جداً، كيف نعلم أولادنا بهذه الطريقة؟ إنهم لا يسمحون باحتذاء الأحذية أيضاً. خالجني بعض الخوف، فاستفسرته: عمي هل أنت متأكد، فرد: طبعاً، إنهم يتبنون أفكاراً غريبة، لا أحذية. قالت (بيير) متعجبة وبصوت منخفض، لا أحذية؟ فيما كنت أفكر، عمري الآن أحد عشر سنة. كان الوقت مناسباً لبدء مرحلة عقلية جديدة بالدخول إلى عالم آخر غير معقول.. عالم المراهقين”.
كل ما سبق اقتباساً من (رواية آكيه.. سنوات الطفولة) للنيجيري (وول سوينكا)، وهي حائزة على نوبل للآداب 1986م، وهي سيرة ذاتية رائعة كُتبت بأسلوب أخاذ ورشيق يوثق فيها لطفولته وصباه في مدينة (آكيه) قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
بصراحة، لم أشأ بإيراد هذا الجزء الأخير من الرواية إلاّ الإشارة إلى أمرين مُهمين مُلحقين ببعضهما، ثم إسقاطهما على كل الوقائع الماثلة هنا، وهما (دخول مرحلة عقلية جديدة بدون نعل).
هذا أمر مهم، في السياسية والفكر بالذات، فعندما يتجه الفرد أو الحكومة إلى مرحلة جديدة في كل شيء، عليهما أن يدخلاها حفاة، أو بما تيسر من أحذية جديدة.
من وجهة نظري المشوبة ببعض (الفانتازيا) الضرورية في مثل هذه الحالة، أن حكوماتنا ومثقفينا لو كانوا طبقوا هذه النظرية، لأصبح حالنا أفضل. ولعل من واجبي هنا ولضرورة تقريب الصورة وإيضاح الفكرة، فإن (الواليين) كثيفي الظهور في أجهزة الإعلام (أيلا وكاشا) إذا أرادا النجاح عليهما خلع حذائي البحر الأحمر وجنوب دارفور، لأن مقاسيهما سيكونان أضيق من الجزيرة والنيل الأبيض، كما أن على والي الخرطوم خلع (بوت) وزارة الدفاع، لأن مقاسه أكبر من حذاء الولاية، وربما لن يضطروا لذلك إذا دخلوا هذه المرحلة الجديدة حفاة تماماً، وهذا أفضل (للأعمال) القادمة.
بطبيعة الحال، لا يمكن أن نتحدث عن أحذية وأقدام، دون أن نتطرق لكرة القدم، إذ أن كثيرين يعتقدون أن اللاعب السوداني (فكت منو) منذ أن احتذى (الكدارة)، لأنها جعلته (يطلع في الكفر) فينزلق من عليه، وهذه (انزلاقة) خطيرة ووخيمة العاقبة.
لذلك، فلا تطلعوا في الكفر، والبسوا لكل مقام حذاء، يكتب لكم النجاح، و(آكيه) عليكم جميعاً.