الحياة الجوزية
سهرت (حليمة) ليلتها تئن وتتوجع لمعاناتها من حمى الملاريا، بينما تمدد (وقيع الله) في السرير المجاور لها وهو يغط في نومة عميقة لشخرتها ازيز وترجيع .. كانت كلما اشتد عليها الوجع مالت على جنبها ونادته بصوت واهن: يا حاج .. هوي يا ود الشيخ
فيجيبها بصوت غليظ من بين موجات غطيطه: ايوه ايوه
فتتوسله ان يعينها بما يساعدها على اطفاء نار الحمى: عليك الله ناولني حبتين بندول وحبيبة موية
وقبل ان تكمل جملتها يجبرها ارتفاع صوت الشخير على التوقف عن المحاولة، وهكذا ظلت على حالتها الصعبة حتى قبيل الفجر بقليل حين غشيتها نومة تأرجحت بين الغفوة والغيبوبة ..
مع يا أرحم الراحمين أرحمنا يا الله، استيقظ (وقيع الله) منّو وليهو، حسب ساعته البيولوجية التي تعودت على تنبيهه في الوقت المعلوم لاداء صلاة الصبح .. تبسمل وتحوقل وهب من فراشه ليغادر الغرفة في العتمة دون ان يفكر في النظر ناحية سرير (حليمة) ..
كانت حليمة كبيرة اخواتها لذلك وكضريبة دفعتها بطيب خاطر حالة كونها البكر، تكفلت بل وانقطعت عن الدنيا لخدمة أمها عندما أقعدها الشلل .. تخلت عن الدخلة والمرقة ووأدت تطلعاتها لفارس الأحلام الذي سيحملها على ظهر حصان السيرة أم قناية، فـ مرّ قطار الزواج بمحطتها وتجاوزها ليحمل شقيقاتها الاصغر ..
مرت السنوات وتوفيت أمها بعد والدها فظلت مقيمة بالبيت الكبير، تمارس الامومة التي حرمت منها على عقاب اخوتها، وترعى شئون اسرتها الممتدة في تصالح مع النفس ورضا بقضاء الله، حتى كان ان رشحها أحد انسبائها لحاج (وقيع الله) عروس، وهو رجل ستيني توفيت زوجته وتزوج ابنائه وتفرقت بهم سبل الحياة ..
تم الزواج واستقر العروسان المخضرمان في قاطوع من بيت الأسرة الكبير، حيث اصرت حليمة على عدم مغادرة بيتها الذي تعودت عليه وجعلته مملكتها، والتخلي عن دورها في رعاية ابناء اخواتها العاملات بعد ان تعودن على ترك صغارهم ما دون سن المدرسة معها .. حاج (وقيع الله) بدوره لم يعترض على خيار مستقر عش الزوجية الجديد، وذلك لأنه قد تعود بعد وفاة زوجته منذ سنوات، على نمط حياة حرة لا تقيدها قيود (ماشي وين ؟ وجاي من وين ؟) .. فكان يغادر البيت لصلاة الفجر في الجامع ويبقى به حتى شروق الشمس للتلاوة وقراءة اوراده، ثم يغادره لدكانه في السوق ولا يعود إلا في الليل ..
ظلت حليمة في رقدتها (تهدهد) من شدة الحمى حتى وصلت شقيقتها (سلمى)، والتي تعودت على ان تغشاها بحافلة الترحيل لتترك معها صغيرتها .. بحثت عنها في ارجاء البيت وعندما لم تجدها اقتربت من غرفتها ونادت عليها من بعيد، احتراما لخصوصية الحاج ان كان لا يزال في البيت، ولكن أجابها انين (حليمة) الموجوعة .. دخلت عليها مسرعة وبعد الاستنجاد بالجيران حملوها للمستشفى بين الحياة والموت ..
عادت (حليمة) من المستشفى بعد اسبوع قضته معلقة بحبال دربات الكينين، فكان أول أمر اصدرته لشقيقاتها هو جمع حاجيات الحاج في شنطة وتسليمها له في بطن يده، وان يطلبن منه مغادرة البيت (غير مطرود) ..
اسوي بيهو شنو الراجل العيفة دا ؟ أكان روحي دار تمرق جنبو ما رفع راسو قال لي الله يجيرك ..
هكذا بررت حليمة لاسرتها رغبتها في انهاء الزيجة غير المتجانسة حسب وجهة نظرها، فقد افتت بأن الزواج في الكبر كالنقش في البحر .. لا يبقى ولا يدوم، حالة كون ان الطرفين قد تعودا على نمط حياة يصعب عليهما تغيره، لذلك يستعصى عليهما التمازج كاستحالة مزج الزيت بالماء ..
في رقدتها وقبل ان تبلغ تمام العافية جاءتها اخوات الحاج باكيات نيابة عن اخيهن طلبا للعفو والسماح، ان كان قد بدر منه تقصير في رعايتها، وذلك لأنهم باقون على العشرة راغبون في وصل ما انقطع من حبال الود، ولكن وبما ان حليمة كانت امرأة صعبة المراس، علّمها طول اعتمادها على نفسها قوة الاعتداد برأيها وعدم التنازل عنه .. اجابتهن بحدة قبل ان تستدير في رقدتها وتستقبل الحيطة:
كترة الكلام في شنو ؟ ما الحياة الجوزية دي ؟ أنا صرفتا النظر عنها !!
ههههههههههههههههههههههه