هسي أنا ذنبي شنو
للزوجات المصريات تعبير لطيف، يصفن به عودة الأزواج من العمل مثقلين بالهموم والمشاكل، بحيث يتحين الواحد منهم فرصة (الثغرة) في زوجته ليفش فيها خلقه، وهنا تدفع الزوجة عن نفسها شر زهج الزوج بالسؤال:
مالك شايل طاجن ستّك على راسك؟
أو تقول: مالك يا راآآآجل داخل عليّا شايل عبد الآدر فوق دماغك ؟!!
(طاجن ستّك) هنا تعني حلّة ملاح حبوبتك، فسواد الحلّة من سواد الهموم التي يحملها فوق رأسه، ورغم عدم معرفتي بصورة دقيقة لـ (عبد القادر)، الذي يحمله الأزواج المصريون فوق رؤوسهم، ليدخلوا به بيوتهم و(يطيّنوا) عيشة زوجاتهم، إلا أنني أعتقد جازمة بأنه ود عم (عطية) حقنا الواحد ده .. بالله الما بعرف (عطية) يقيف لينا بي جاي!
مجريات الأحداث اليومية، قد تتسبب في تراكم حمل ثقيل من المشاعر السالبة على عاتقك، بسبب الضغوطات وهزيمة الآمال بالضربة القاضية من بؤس الواقع، فعندما تستوعبك المشاكل ويتملّكك الإحساس باليأس، والشعور بأنك محبط من رأسك حتى قدميك، فإنك -حتما ولابد -ستلتفت لأضعف الاقربين إليك حيلة، لتجعل منه (حيطتك القصيرة)، التي تلقي من فوقها أثقال الزهج والنكد، و(تفشفش) غبائنك وإحباطاتك فيه!
– يمتلك (شريف) إحساساً قوياً بالغبن ومظنة أن مديره المباشر (مكجّنو)، حتى أنه ليكاد أن يرد على سلامه في الصباح بـ (استيضاح)، بحجة أن (شريف) يحضر للعمل يومياً متأخراً عن المواعيد الرسمية بـ ثلاث ساعات، وما ذاك إلا جراء معافسته للحافلات، وتنقله بين ثلاث خطوط مواصلات حتى يتمكن من الوصول..
مدير (شريف) بدوره مأمور، لأن (سيدي بي سيدو)، فهو مجبر على استيضاح مرؤوسه يومياً، رغم يقينه أنه يغادر بيته فجراً والنجمة (في السما) ليلحق بالمواعيد، لكنه يفشل بسبب صعوبة الحصول على مقعد في حافلة الكلاكلة اللفة..
الخوف من (الشيل) و(الخصخصة) وسياسة ضغط المنصرفات بسبب الضائقة المالية، والتي تجعل مستقبل وظيفته بين (كفّي عفريت)، تجبر المدير على الفشفشة فوق رأس (الشريف) الما ناقص أصلاً .. فـ(شريف) بدوره مثقل بهموم الماهية التي لا تكفي لنصف الشهر، و(نقة المرة) طلباً لتغيير شنطة الولد، بعد أن تمزقت وانحلجت السستة، فصار يفقد كل يوم قلماً أو كراساً، وحاجة البت الكبيرة لجزمة جديدة، لأن جزمتها قد (تفرطقت) من الأمام، فصارت تعاني الخجل من نظرات زميلاتها بسبب ذلك، رغم استمتاع أصابع قدميها بالطراوة من بعد الكتمة..
(سعدية) زوجة (شريف) تعاني بدورها من مشاكل نفسية، وضغوط لو ظهر نصفها على السطح، لأهّلها للتمتع بالنزول في ضيافة (التجاني الماحي) معززة مكرمة .. فهي تصرف ساعات نهارها، في هم تدبير اللقمة بأقل من القليل، وشحدة باقي مستلزمات الوجبة من الجيران ..
شلالة المفتوق، ورتق المهرود، وإعادة جدولة توزيع الدلاقين، من الأكبر للأصغر في الأبناء، كل هذا قبل رص التشاطة والشروع في غسيل العدة ثم الهدوم..
قبيل المغرب بقليل يدفع (شريف) الباب ويدخل للبيت، حاملاً لـ(أخلاقه) فوق رأس أنفه، و(طاجن حبوبته) فوق أم رأسه، أما (عبد القادر) فيجلس متوهطاً داخل دماغه، فتقابله (سعدية) بظهرها (المعسم) من طوال (دنقيرة) الخدمة .. جافة اليدين مشققة الأرجل من قسوة صابون الغسيل، بينما تطل ثنيات بطنها الفخيم من وراء (فتقة) العراقي الذي اشتراه لها من (بونص) العيد قبل ثلاث سنوات!
تتجمع سحب الإحباط وتهطل فوق رأس (شريف) القاعد على هبشة سؤالها المحايد:
ما لقيت ليك طريقة تدبر بيها حق الشنطة للولد والجزمة للبت؟
فيهب فيها هبة الأسد الهصور:
يا ولية كدي خليني النجر نفسي قبال تفتحي فيني خشمك الزي النقدوبة ده .. ما عندك كلام غير ما جبتا وما سويت ……
يستمر (شريف) في تفريغ شحنة الإحباط والغضب كاملة فوق رأس (سعدية)، التي تنزوي وتصغر حتى تصير أصغر من السمسمة، دون أن تستطيع الدفع عن نفسها ولو بالسؤال عن (حلّة الحبوبة)، أو تحكّر (عبد القادر) فوق رأسه، المتمثل في الفلس وتعب المواصلات وحُقرة المدير ..
تظل دواخل (سعدية) تغلي غُبنا من العليها، حتى تحين فرصة الفشفشة عند دخول ابنها من الدافوري وقد تمزق بنطلونه الوحيد، و(مكتّح) من رأسه حتى أخمص قدميه .. فتصيح عليه:
خش يا ولد استحمى حمى الراجعة التجيب أجلك .. جايني مقطّع ومرمّد .. ألقاها منك وللا من أبوك وللا من أختك العوقة دي؟
فتحتج البنيّة المسكينة على إقحامها في الأمر دون ذنب جنته:
هسي يمه أنا ذنبي شنو؟!!
منى سلمان
لقد كتبت وأجدت هذا حال كل موظف اليوم الله يجازى الكان السبب