عبد الجليل سليمان

“أيلا/ كاشا”.. الصورة الذهنية والواقع

حينما أطلق (والترليـبمان) مصطلح (الصورة الذهنية) أوائل القرن العشرين لم يكن يدرك أنه سيصبح مفهوماً أساساً لتفسير الكثير من عمليات التأثير التي تجترحها وسائل الإعلام مستهدفة بها ذهن المتلقي، وأنه سينمو ويتطور حتى يصبح شائعاً في لغة الاتصال بهذا القدر الماثل الآن. لكن، قبل أن نُوغل أكثر، علينا أن نفرق بين الصورة الذهنية المتصلة بفرد (شخص ما)، وتلك المتعلقة بالمؤسسات والكيانات الاجتماعية.

وهنا لا بد أن نشير إلى أن رجلاً كـ (الثعالبي) كان انتبه إلى هذه الظاهرة منذ وقت مبكر ورصد أطيافاً منها في كتابة القيّم (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب)، خاصة فيما يتعلق بالصورة الذهنية المرتبطة بالسلوك الاجتماعي في جوانبة الشخصية مثل: صبر أيوب، وحلم الأحنف، وكرم حاتم، وفي إحالته إلى كيانات أكبر مثل القبائل (تجارة قريش، وكرم طيء)، وهكذا دواليك.

لكن هل هذه الصور حقيقية أم متوهمة؟ هنا يكمن السؤال. فكلما نجح الإعلام في إيهام الجمهور بأن فلاناً هذا يمتلك قدرات (فردانية) فذّة فإن توقعاته ستزداد وطموحه يكبر وينتفخ، ومع الممارسة اليومية ستتكشف الأمور حتى تتحول الصورة الإيجابية إلى نقيضها تماماً.

وهنا أخشى على الواليين (أيلا وكاشا) من تكريس الإعلام لصورة ذهنية متوهمة – في الغالب – عنهما. وروجت بعض الصحف بشكل خاص صورتيهما وكأنهما خارقين للعادة ويمتلكان ما يشبة (عصا موسى) ليحولان واقع ولايتيهما الرث إلى (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) لكنهما في الواقع وما إن يخوضا في (المعمعة) حتى تنحسر هذا الصورة وربما تتلاشى.

كنت أتمنى أن تكف (الجرائد) عن صناعة صورة ذهنية شديدة اللمعان للرجلين المُجربين في مناصب أخرى (وزارات وولايات)، وأن تكتفي – على الأقل – بالترويج لهما عبر المفهوم البسيط لمصطلح (الصورة الذهنية) في جانبها (العام/ المؤسسي) وليس الفردي، وهذا يعرف بالصورة المنظمة أي التي تتكرس في أذهان الناس عن المؤسسة التي تخضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للتجربة العملية في (الميدان)، بعيداً عن هذا التنميط المندرج تحت عمليات التأثير الإعلامي، ما يُعد اختزالاً لتفاصيل وأحداث كثيرة في مشهد واحد.

ما حققه الرجلان، في واقع الأمر، لا يبدو باهراً بهذا القدر المطروح من (حسن الظن) بهما. فهما بجانب كونهما (فردان) يعملان ضمن منظومة سياسية وفكرية منضويان تحت لوائها ويدينان لها بالولاء والطاعة العمياء في المنشط والمكره، فإن أثرهما على الأرض في موقعيهما السابقين لم يكن كله جيداً، بل كان جله عكس ذلك، أما هذه (اللمعة) التي تكتنفهما الآن فهي في الغالب نتاج جهود إعلامية متراكمة ومتواصلة أفرزت هذه الصورة التي تبدو إيجابية، لكنها ما أن تُختبر حتى ينقلب السحر على السحرة، وربنا يكضب الشينة (كما يقولون).