رقابة وضبط الأسواق… مسلسل مكسيكي
لا أعرف من أين أبدأ هذا المسلسل المكسيكي الطويل الممل، هل أبدأه من اعتراف الصادق المهدي الجهير والشهير حين كان رئيساً للوزراء قبل ثلاثة عقود (لقد هزمنا السوق)، أم من التوجيه الصارم الذي أصدره للسلطات الأمنية النائب الأول السابق للرئيس على عثمان يأمرهم فيه بعدم التسامح مع المتلاعبين بمعاش المواطنين وإن استدعى الأمر قطع تلك الأيادي المتلاعبة، بل وقوله مضيفاً إن الحكومة الرشيدة التي تستحق البقاء هي الحكومة التي توفر للمواطن دواءه وغذاءه وكساءه وكرامته، أم من شعار والي الخرطوم السابق عبد الرحمن الخضر المحبب الذي ظل يرفعه من لحظة ترشحه والى أن غادر الولاية (قفة أكبر تكاليف أقل)، الذي أعرفه تماماً مثل (جوع بطني) أن حلقات مسلسل ضبط ورقابة الأسواق ما زال عرضها مستمرا، رغم عشرات الحملات التي قيل إنها نظمت من قبل لهذا الغرض، وآخرها والمؤكد لن تكون الأخيرة الحملة التي أعلن عن تنظيمها مؤخرا.
لقد ظل الناس يسمعون عن مثل هذه الترتيبات لمحاصرة ارتفاع أسعار السلع وضبط جودتها بطريقة راتبة ومتكررة كل عام ومثلها أيضاً الحملات الرقابية على الأسواق، دون أن تترك هذه الترتيبات والحملات أي أثر يذكر يلمسه المواطنون في الأسعار التي يكتوون بنارها يومياً بل تظل تتصاعد وكأنما تمد لسانها ساخرة من هذه الترتيبات والحملات، ليس ذلك فحسب وإنما أيضاً تتفاوت الأسعار من محلٍ إلى محل في السوق الواحد، ومن كنتين إلى كنتين داخل الحي الواحد، والحقيقة الماثلة اليوم تقول إن ارتفاع الأسعار ضرب كل السلع بل وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يرقى إلى مستوى (البلاء) المسمى الشرعي للزيادة المفرطة التي لا قبل للفقراء بها، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة أسعار الغذاء التي تفضي إلى نقص في الثمرات الذي يستتبعه نقص في الأنفس حسب نص الآية الكريمة، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة أسعار الدواء الذي ينتج عنه بلاء المرض، وعلى ذلك قس حجم الابتلاءات والبلاءات التي يكابدها من لا يستطيعون مجاراة الركض اليومي للأسعار وهم غالب أهل هذا البلد، والحقيقة الأخرى هي أن للتجارة والتجار قانون ثابت هو بكل بساطة (زيادة الربح وتقليل سعر التكلفة) والحقيقة الثالثة تقول إن الاقتصاد لا يتحسن والرخاء لا يعم بإصدار القوانين والفرمانات ولا بالإجراءات والتدابير الإدارية ولا بالحملات الرقابية وحدها، وإنما قبل ذلك وأهم من ذلك بالإنتاج، فالإنتاج الوفير والاستثمارات المجزية هما أهم أداتان لمحاصرة انفراط الأسعار ومحاربة الغلاء، فكيف نترك الأهم، كما هو حادث الآن ونهتم بغيره، وهو هذه الترتيبات والحملات التي تنوي الولاية اتخاذها وسائل لمحاصرة ارتفاع الأسعار وضبط جودة السلع، الراجح أنها لن تفعل شيئا سوى أن تكرر نفسها كما عشرات الحملات السابقات.