الطيب مصطفى

دور جديد للبرلمان

عندما كتبنا عن د. إبراهيم أحمد عمر معبّرين عن تفاؤل بدور جديد للبرلمان كنا نعني ما نقول متوسّمين خيراً في رجل يكاد الناس يجمعون أنه صاحب مبدأ لا يبحث عن مغنم ولا يخشى من مغرم.. رجل ظل (مكنكشاً) وساكناً في بيته المتواضع (نسبياً طبعاً) رغم تقلّبه في المناصب الدستورية وليس (مكنكشاً) في مناصب يهرول الكثيرون ويركضون ركض الوحوش في طلبها على حساب كرامتهم ومروءتهم ويوم يفقدونها يقيمون سرادقات العزاء نحيباً وعويلا!.

قال الرجل الجدير بالتصديق إن (البرلمان لن يكون صفحة بيضاء للجهاز التنفيذي يكتب عليها ما يشاء وسيتصدى له ولن يمرر ما يريده) وتوعّد البروف إبراهيم الوزراء بسحب الثقة منهم حال ثبت تجاوزهم وعدم التزامهم ببرامج وزاراتهم، وأبدى حرص البرلمان على دعم المراجع العام للقيام بمسؤولياته في حماية المال العام عبر الحرص على الشفافية والمطالبة بها في كل ما يتعلق بالمال العام.

كلمات من الذهب الخالص تعيد لبرلمان الشعب دوره المفقود ذلك أنه كان ليس مجرد صفحة بيضاء للجهاز التنفيذي يكتب فيها ما يشاء إنما كان (البصّام) الأول والأكبر في السودان، ما جيء بأعضائه إلا للعب دور (الكومبارس) لإعطاء المشروعية والشرعية لكل ما يفعله الجهاز التنفيذي وهل أبلغ من تمريره أخطر اتفاقية في تاريخ السودان والمسماة باتفاقية السلام الشامل والتي خرجت من صندوق باندورا ومرتع الشيطان المسمى (نيفاشا) والتي (بصم) عليها البرلمان بعد أن قال رئيسه يومها إنه لا يحق له أن يعدل فيها (شولة)؟!.

ذلك كان دور البرلمان في أيام سلفت حيث رضي لنفسه بالدنيّة وارتضى أعضاؤه أن يتخلوا عن مهمتهم كحكام فعليين ممثلين للشعب الذي انتخبهم ليراقبوا أداء الحكومة التي تعتبر خادماً للشعب ممثلاً في برلمانه المنتخب.

إن فعل البروف ما وعد به فإن السودان لن يعود في مؤخرة العالم من حيث الفساد في تقارير منظمة الشفافية الدولية لأن المراجع العام لن يكون له أكثر من تقرير يُخفي بعضها عن نواب الشعب وحتى إن حرمت الصحافة من التعرّض لتقارير المراجع العام فإن البرلمان كفيل بتحقيق كثير من مطلوبات الشفافية التي تكبح جماح الفساد والتجاوزات سيما وقد وعد رئيس الجمهورية بإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد.

يحتاج بروف إبراهيم إلى أن يجتمع بالمراجع العام ويمنحه الأمان ويطلق يده حتى يبعد قليلاً من الحائط ويتكلم في الممنوع ويزيل الخطوط الحمراء التي تفرض على جميع موظفي الخدمة المدنية بمنطق أن (المعايش جبارة) و(أولادك في انتظارك)!.

أكثر ما أوصي به الرجل الخبير بدهاليز العمل التنفيذي الذي تولّى فيه عدداً من المواقع أن يقوي سلطة المراجع العام من خلال تقوية أذرعه في الولايات التي ترتع في المال العام والتي يعمل كثير منها بمنطق (بعيد من العين بعيد من الرقابة) وأهم من ذلك محاربة التجنيب الذي يلتهم كثيراً من الموارد وأن تخضع جميع الوزارات والأجهزة للمراجع العام فقد كنت والله أقولها من داخل القطاع الاقتصادي الوزاري إنه لا يوجد سبب لوزارة المالية أن تطلب الولاية على المال العام، ولا تطلب وزارة التعليم العالي الولاية على المؤسسات التعليمية، ولا لوزارة الصحة أن تطلب الولاية على المؤسسات العلاجية، إلا لأن هناك وزارات وأجهزة قوية ومحمية وأخرى مستضعفة فهل يطبق القانون ويخضع الجميع للمراجع العام وهل ينتهي تغوّل بعض الوزارات والهيئات على القطاع الخاص من خلال شركات القطاع العام؟.

الفرق بين كوريا الشمالية التي تتضور جوعاً وكوريا الجنوبية التي أصبحت دولة عظمى يكمن في الاختلاف بين النظامين السياسي والاقتصادي في كل منهما ورغم أن هناك لجنة للتصرف في مراجعة القطاع العام منشأة منذ عشرين سنة إلا أنه في ظل وجودها تزايدت شركات القطاع العام التي أطلق عليها رئيس الجمهورية ذات يوم عبارة شركات (النهب المصلح).. فموظف القطاع العام عندما يُفتح عليه ويتحول إلى تلك الشركات يصبح (كائناً آخر) بمخصصات أخرى وكثرة الشرح تفسد المعنى ولا تحيط بالأمر (الغابة)!. لذلك فإن تصفية شركات القطاع العام تحتاج إلى ثورة أرجو أن يقودها البروف بنفسه ذلك أن تلك الشركات لم تفد الدولة لكنها حطّمت القطاع الخاص ونهبت المال العام.

أثق في أن بروف إبراهيم قد قرأ تصريحات هايلي ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبي قبل يومين والتي قال فيها إن السودان يأتي في المرتبة الثانية في الاستثمارات الأجنبية بإثيوبيا وإن عدد المستثمرين السودانيين بلغ (500) مستثمر فأية فضيحة تلك التي تجعل القطاع الخاص السوداني يهرب إلى إثيوبيا وغيرها بينما يعمل ملايين الإثيوبيات والاثيوبيين في بيوتنا طلباً للرزق وأي فضيحة أن نعقد مؤتمرات في الخارج نصرف فيها المبالغ الطائلة لإقناع المستثمرين الأجانب بالمجيء إلى بلاد هرب منها أثرياؤها بعد أن قنعوا من (خيراً فيها)؟!.