اتحاد الصحافيين نموذجاً
إذا احتدم السؤال: لماذا دفعت الحكومة بإسكان الصحافيين إلى الحارة مائة بسفح جبال كرري في أم درمان، وبإسكانهم في شرق النيل إلى الوادي الأخضر عند تخوم بادية البطاحين، إذا ما أعادت جهة ما إنتاج هذه الأسئلة، فبإمكان الحكومة نفسها أن تعيد ترتيب السؤال في وجه السائل على هذا النحو: أخبروني أين وضعت الحكومات السابقة إسكانات الصحافيين؟
فلئن كانت الحكومة الحالية قد وضعت الصحافيين في الوادي الأخضر، فإن الحكومات السابقة قد وضعت الصحافيين في (وادي النسيان)، ليصبح السائل هنا أقرب إلى تراجيديا ذلك الرجل، الذي يفتأ يصف شكل الذئب الذي أكل سيدنا يوسف عليه السلام، عندما تصدى له أحدهم بأن الذئب لم يأكل سيدنا يوسف، فقال إذن هذا هو شكل الذي لم يأكل سيدنا يوسف عليه السلام!
ومساقات الأحداث في هذا السياق تفضي بنا حتما إلى دراما علاقة الحكومة بالاتحادات والنقابات، اتحاد الصحافيين السودانيين نموذجا، ماذا خسر الاتحاد والاتحادات الأخرى من حالة المواءمة مع الحكومة، وماذا خسرت نقابات ما قبل الإنقاذ من حالات العداء المستحكم مع مؤسسات الدولة؟!
تمكنت الاتحادات في عهد الإنقاذ بما فيها اتحاد الصحافيين أن تحقق لمجتمعاتها بعض المكاسب، من مقارات ومساكن وخدمات أخرى دون أن يكون ذلك علي حساب مهامها الأساسية، فعلى الأقل يمكن الرجوع إلى محاضر بينات الاتحاد الأخيرة في شأن عمليات توقيف الصحف وحريات التعبير، غير أن عمليات الحفاظ على خيط معاوية بين الجانبين قد حمل الجهات الرقابية في كل مرة إلى إعادة الأمور إلى نصابها، صحيح أن الصورة لم تكن مثالية بما يكفي ..
وفي المقابل تحتفظ ذاكرتنا بنقابات عهود الإضرابات والاضطرابات التي ﻻ أرضا قطعت وﻻ ظهرا أبقت!
وأتصور أن الأمر برمته، أمر تنظيم العمل النقابي، هو علي مدرستين فكريتين اثنتين، المدرسة النقابية اليسارية وهي الأرسخ في هذه الميادين، وهي التي في الغالب تلجأ إلى تعويض الخسارة الجماهيرية بالآليات النقابية، بمعنى أن الأحزاب السياسية اليسارية والشيوعية في بلاد الشرق الإسلامي تعاني بطبيعة المعتقد والتوجه شحا في الحالة الجماهيرية، لهذا تلجأ إلى تعويض الخسارة النيابية والبرلمانية والتشريعية بركوب النقابات المطلبية ﻻنتزاع بعض المكاسب السياسية، فعلي سبيل المثال، إن أفضل حالة ازدهار جماهيري للشيوعيين السودانيين قد مكنتهم من إحراز ثلاثة مقاعد نيابية، فكان عليهم في المقابل التعويض بكسب دوائر نقابية عن طريق تشكيل تجمعات مع آخرين.
* غير أن المدرسة الوطنية الإسلامية، إن صح هذا المصطلح، تجتهد في العمل النقابي المهني أن تجعل النقابة شريكة في التخطيط وتطوير الأداء وجلب بعض المكاسب الممكنة، وﻻ أقطع هنا بمثالية هذا النوع من العمل النقابي، إلا أنه في الغالب قد حقق مكتسبات أكثر لجماهير العمال والمهنيين فضلا عن حالات الاستقرار وليس هذا كل ما هناك.