حسين خوجلي

وما زالت المجنونة في «الكيس»..!!

(1)
٭ سألتني: ما هي الحكمة المنظومة التي استوقفتك طويلاً؟ فرددت عليها مباشرة هي مقدمة الشاعر الراحل فراج الطيب في رائعته «السقوط عند السفح»:
«عندما تنجلي الرغوة عن الصريح ويذهب الزبد جفاء.. وتنماط الأقنعة الموشاة.. يتعرى الوجه الفطري.. ويسقط الوجه المستعار وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً».
(2)
٭ حكى لي أحد الأصدقاء من قبيلة الدناقلة بأن والده تربى وتعلم في مصر وتزوج من مصرية هي أمهم بالطبع وظل يتحدث باللهجة المصرية ولم يكن يعرف إلا جملة أو جملتين في رطانة الدناقلة. طعن الرجل في السن وأصابه «خرف» وضعف في الذاكرة وعندما بلغ هذه الحالة «قلب» وأصبح يتحدث بالدنقلاوي زي الطلقة. وأصبحوا بعدها يتحدثون معه بالتراجم.
قلت له: إنها كالملاريا في الدم لابد أن تخرج يوماً.
فضحك حتى بانت نواجذه.. المناسبة أنني قلت له إن معيار السودانية هو أن يطرب السوداني للدوبيت وأعطيته الدرس الأول وقد شهد الناس أنه قد سلك وسمعوه يردد:
ما شفتي المرض يوم وقعة الشكابة
فيك مدرت الصنقع خلا وعزابة
الليلة الأسود إن هنهنت في الغابة
بتقيف الجبارة المن قديم هازابه
(3)
٭ قال الشاهد إنه أثناء تسجيل الفنان الراحل علي الشايقي لاسطوانته بالقاهرة عام 1930م كان في رفقته قصيدة الشاعر الشاب أبوصلاح وروحه الشاعرة وقتها ومصادفة حضر الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي شاهداً على تسجيل اسطوانة لفنان مصري شاب كان حسب الإفادة محمد عبدالوهاب.. وقد أعجب أحمد شوقي أيما إعجاب بنص أبوصلاح «جافى المنام لاسعني حي»:
جافى المنام لاسعني حي
أم زاد غرام ضاوي المحي
قالب الدرع يقدل ضحي
طال جيده فاق ظبي السحي
لو يانسيم مريت عشي
قبل فويطرات الرشي
قول ليه طب مابي شي
إلا الغرام شاويني شي
عينيك متل عين الظبي
السارحة بي شويدن ربي
كم بالدعج هالك صبي
جهلاً به زي ماجاهله بي
قال لي طوف بي كل حي
كيف تبقى عاشق وأنت حي
وحضر شوقي تسجيل الأغنية كلها وقرظ شاعرية أبوصلاح وأثنى على طريقة نظمه والروي والتزامه بتصغير وتمليح الكلمات وتناول ديوان الشاعر أبوصلاح وكتب عليه وهو يبتسم على طريقة الإخوانيات لك تحية صافية من وجداني من أكبر شاعر مصري لأكبر شاعر سوداني.
(4)
٭ عرسان هذا الزمان «مساكين» وعرسان زمان «مولعين» ومولعين بالعامية وبالفصيح على التتابع، ولذلك فإن زماننا هذا مترع بالطلاق وزمانهم مترع بالتعدد كان العريس يومها «يركز» للسوط وصوته يصدح عامراً بالشجاعة والحنين ..
الكتوف واقعة والعيون ناعسات مويتن ناقعة
الوجن قادحات في الظلام فاقعة
قصدي شبالا
وراضي بالصاقعة
(5)
٭ أقوى ما في الرياضة ببلادنا الجمهور وحلقات نقاش وحديث السوقة وجرائد الكورة حيث لا أحد متضرر من هزائم السودان وضعف الأداء الفني .. المهم «طق الحنك» والتنفيس والبحث عن انتماء غير مقموع.. الكورة في بلادنا تحولت منذ زمن بعيد إلى فلكلور إفريقي مثل الصراع غير الحر و«العيتنوبة» وشليل وين راح .. الغريبة إن شليل وجدوه منذ فترة في «الميس» المنسي وما زالت المجنونة في «الكيس» الشهير..
(6)
٭ أنا سعيد جداً بأن يعود الإسلاميون من جديد لمؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمنابر والصحف والساحات والجمعية الطبية الإسلامية وشباب البناء وبنات النهضة وحلقات شيخ إبراهيم والاشتراكات والزيارات وتجويد ماتم والنقد الذاتي. صحيح إن الكثير تنتظرهم حزمة من الإيجابيات وحزمة من السلبيات. ولكن القوى الحية دائماً قادرة على التجاوز والابتكار والتجدد . وهي دائماً قادرة على إفراز القيادات الجديدة والتحدي الجديد. وإذا كان ما ران على الأنفس والأجساد من طول الأمل فمعالجته بالقيم والأفكار والتوبة هين. ومن هذه الاثقال حتى الهمباتة وجدوا لها حلولاً. قال الشاهد إن ود ضحوية أصيب مرة وجلس زماناً في الفريق مستشفياً وعندما هم به وعاود النهيض وجد جمله (أو تنظيمه) قد أصابه الترهل فضحك مع جمله وربت على قفاه وقال أبياته الشهيرات:
عليق الفيتريت زوّد قفاك اتردّم
وجاك صي الفيافي والأرايل الحدّم
ومن الأمو شبرين منو ما بتتقدم
أرح نتسلى في الزايلة البناها مهدّم
والتسلي العملي والفكري مع الإخلاص يبدده طي الفيافي عند «سحار» ود ضحوية وهنا يبدده التنافس الحر الشريف وحسن البدايات المفضية لحسن الخاتمة.