معتمد.. شوارع.. أم معتمد افتراضي!!
زمان.. عندما أُعلن عن تعيين الدكتور مجذوب الخليفة (رحمه الله) والياً على ولاية الخرطوم.. وفي خضم حماسه مع بداية المشوار أدلى بتصريح صحفي جر عليه كاراكاتيراً ساخراً..
قال الوالي مجذوب الخليفة (لن ينام في الخرطوم جائع).. في الحال أشعل ذلك قريحة وريشة فنان كاراكاتير فرسم صورة لرجل ضعيف البنية رث الثياب يقول في حيرة (إذن كُتب علينا الجوع.. والسهر)..
أمس حملت بعض الصحف تصريحاً مشابهاً لوالي الخرطوم الجديد الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، يقول فيه (المعتمد الذي لا أجده في الشارع.. ليس معنا).. وأخشى من ريشة كاراكاتيرست يستثمر فيها كلمة (شارع)!!
بالطبع الوالي الجديد (يستمر استخدام “جديد” لحين إشعار آخر) يقصد أنه في حاجة لـ(معتمدين) يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام مع الناس.. القدرة على الاختلاط برجل الشارع العادي وتلمس مشكلاته وحلها ميدانياً بدلاً من الاكتفاء بالعمل المكتبي.
ورغم أن تصريح الوالي الجديد يعني عملياً أن معتمد محلية الخرطوم اللواء عمر نمر اجتاز المعاينة بامتياز، إلا أجدني في حاجة لاستدراك فني..
في عالم اليوم الذي تناسجت وسائط الاتصال فيه حتى صارت نسيجاً واحداً متصلاً.. ما عادت الحركة الميدانية وحدها الرابط بين الحاكم والقاعدة.. بل ربما أحياناً الإفراط في الحركة (الشارعية) يلغي المؤسسية ويحفز القرارات الفورية العفوية.. فتنجب الأخطاء التي تتناسل وتنمو كلما أدمن المسؤول الحركة الشارعية.
المطلوب الإحساس بالمواطن في الشارع وقضاياه وطموحه بأية وسيلة.. وفي عالم اليوم وسائط الاتصال والتواصل تسمح للمسؤول أن يتوفر لسكان المحلية وهو في مكتبه.. وأن يصله الناس وهو في حضن بيته.. فقط يتوقف ذلك على الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا.
والذي أراه الآن في سوداننا أنه رغم سهولة اقتناء واستحداث النظم التكنولوجية.. إلا أن استخدامها (صوري) بصل إلى حد (وهمي) في كثير من الأحيان.
والبرهان على ذلك.. أنه ورغم أن العالم من حولنا تطور كثيراً في تيسير الإجراءات وتوفير زمن المواطن بالحصول على الخدمات الحكومية بأسهل وأسرع الطرق.. إلا أننا هنا في السودان نهدر وقتاً وجهداً كبيراً في أي إجراء رسمي ومهما كان سهلاً.. وسبق لي قبل ثلاثة أيام هنا أن أشرت لتجربتي الشخصية في استخراج (تأشيرة خروج) من مجمع الحديقة الدولية.
ما فائدة توفر (معتمد شوارع) إن كان المواطن في وقت حاجته للحكومة ينتابه إحساس كبير بأن هذه الإجراءات الرسمية ماهي إلا إهدار لكرامته قبل وقته وماله.
الحكومة الإلكترونية أهم كثيراً من (معتمد الشوارع) لأنها تحمل المواطن إلى داخل مكتب المعتمد.. وتحمل المعتمد إلى قلب بيت كل مواطن دون حاجة لتغبير الأرجل في الشوارع (المغبرة أصلاً).
مطلوب معتمد (افتراضي)..!!
وكذلك الوالي..!!