إمرأة في صحراء الهامش..!
الشاعر والكاتب المصري الكبير الأستاذ فاروق جويدة إعلامي مطبوع ينتظم في الكتابة الراتبة بصحيفة (الأهرام) المصرية, وهي واحدة من الصحف التي يحرص صاحبكم على قراءتها مع أخريات عربيات وأجنبيات بصورة يومية, بعد أن سهل علينا الأمر بإستخدام شبكة الإنترنت والطرق على أبواب مواقع تلك الصحف.
للأستاذ جويدة زاوية مقروءة في صحيفة (الأهرام) تجيء تحت مسمى (هوامش حرة) يكتب فيها ما يشاء, وتبدو لك كذلك من عنوانها الذي لا يقبل التقييد.
بالأمس كتب مقاله الرصين تحت عنوان: (إمرأة في الصحراء)- أعجبني المقال.. فرأيت أن أشرك معي قارئ هذه الزاوية للتمتع به وبما حواه, وأدعو له بعد أن يفرغ من قراءته.. بالتوفيق والسداد والنجاح.. وأقول له: جمعة مباركة بإذن الله:
النساء مثل الأشجار، هناك شجرة تجد عندها الثمار والظلال والجمال وهناك أشجار لا ثمار فيها ولا ظلال ولا جمال.. ومن أجمل حظوظ الدنيا أن تجد في طريق رحلتك شجرة تستظل بها من متاعب المشوار، إنها السكينة حين تضيق بك سبل الحياة وهي الأمان حين تطاردك أشباح الخوف، هي العطاء حين يبخل عليك الناس بلحظة صفاء تغنيك.. قليلاً ما يصادف الانسان في حياته هذه الأشجار المثمرة، وإنها تحتاج إلى الرعاية وقد لا تتوافر في كل زمان ومكان.. إن رعاية الأشجار تحتاج جهداً متواصلاً.. قد توفر لها الماء ولا تمنع عنها العواصف.. وقد تمنحها الدفء ولا تجد لديك الأمن.. إن الأشجار المثمرة يمكن أن تتعرض لأيادي اللصوص، وما نشاهده في الشوارع من ظواهر التحرش ضد النساء ما هو إلا عبث يمارسه اللصوص كل واحد يبحث عن لحظة طيش أو لحظة متعة مسروقة.. المتحرش لص مقنع بدلاً من أن يسرق المسافرين في القطارات فهو يتجه إلى جسد غافل أو صامت ويعبث فيه بلا ضمير.. وكثيراً ما أسقطت الأشجار وجوهاً حاولت أن تعبث بثمارها.. إن أصعب الأشياء أن تتسلق نخلة لكي تجني ثمارها أو تقفز على فرع شجرة فيأخذك ويهوى بك في السفح البعيد.. وهكذا النساء، إذا أحبتك المرأة أعطتك ما لم تحلم به: ظلالها وثمارها وأنس لياليها وإذا غدرت بك تترك جسدك الهزيل يتسلل على فروعها وفي لحظة ما ينكسر الفرع ولا تبقى غير الهاوية.. إنك لا تستطيع أن تجني الثمار بسهولة لأن في الأشجار ذكاء يصل أحياناً إلى درجة الخبث.. إن الشجرة أحياناً تؤجل ثمارها عاماً بعد عام، بعض الأشجار يستريح عاماً ويثمر عاماً وكذلك النساء قد تمنحك اليوم شيئاً في لحظة صفاء ثم تبخل عليك العمر كله.. وكما أن هناك أشجارًا سخية في ثمارها وظلالها هناك أيضًا إمرأة بخيلة إنها تشبه الصحراء الجرداء لا تجد فيها زهرة أو وردة أو حتى شجرة صبار.. في بعض الأحيان تجد في الأفق البعيد شجرة وحيدة تقف شامخة أمام العواصف والرياح وتكتشف أنها إمرأة أعطت كل شيء وبقيت في ليالي الشتاء وحيدة.