منصور الصويم

الشر

وهنا لا أتناول الشر على المستوى الأخلاقي – الديني الذي ينزل الأشرار نهاية في درك العذاب، ولا على المستوى الفلسفي الذي يحاول كشف طبيعية الشر وماهيته ربطا بالأغوار الغامضة للنفس البشرية، ولا أتناوله حتى على مستوى القصص التعليمي أو مرويات “ثنائية الخير والشر” التقليدية، بنهاياتها المعروفة بانتصار الخير مهما طال أمد الشر.

أتناول الشر هنا من منظور الحياة اليومية، وكيفية تشكله وتمدده في مساحات ضيقة لا تحتمل فكرته، عن الشر الذي يدفع جاراً لإغلاق مجرى مائياً ليؤذي جاره، عن الشر الذي يدفع طالبا لتلفيق تهمة قد تفصل زميله من المدرسة وربما تغير حياته إلى الأبد، عن الشر الذي يدفع موظفا لـ (الحفر) تحت كراسي زملائه حتى يلحق بهم الأذى جميعا ويصعد إلى أعلى درجات الوهم.

كيف يُفسر هذا السلوك الشرير الحياتي، اليومي، والعادي، أعني القصدية غير المبررة التي ينتهجها بعض الناس لإلحاق الأذى بالآخرين؛ الذين غالبا تجدهم من البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، ما الذي يحرك (الشرير الحياتي) الموجود في كل مساحة وزمان، ويجعله يعكف على رسم الخطط الخبيثة والسهر من أجل إنجاحها وتجريد الآخر المقصود بها من أهم مكتسباته الدنيوية وإن كانت ابتسامة أو ضحكة يواجه بها هذا العالم!

في كل مكان يتشاركه الناس، عند كل يوم، تحدث (قصة شريرة)، يكون ضحيتها أحد الأبرياء وربما أضعف الموجودين وأقلهم حيلة، جرائم صغيرة غير منظورة أو لا تتم ملاحقتها شرطيا أو مجتمعيا، الضحية غالبا يتقهقر ويتراجع وقد يسقط إلى أن يصل مرحلة الحضيض، بينما تمضي حياة المخطط (الشرير) بصورة عادية والناس من حوله يلتفون معجبين بهذه القدرة الفذة على الخبث وأذية خلق الله.

والشر الممارس يوميا كأنه أحد وجوه الحياة الطبيعية، يتم في الغالب في شكل تحالفات خبث صغيرة، تتفق – هكذا – على كراهية الشخص الضحية، وتعمل بتواطؤ خبيث على جرجرته وإيقاعه في جب الأخطاء حتى يسهل النيل منه، بحيث يبدو من تسبب في الأذى وكأن لا علاقة له بالأمر وإن الضحية لا يحصد سوى نتاج أخطائه، بل قد يلبس (الشرير) وأعوانه أثواب الحداد عليه بينما دواخلهم تضج بالشماتة.

ضحايا الشر اليومي، في الغالب هم غافلون عما يحاك لهم، كما أنهم يبقون في حالة من الحيرة والصدمة بعد إنزال الضربة القاضية بهم، وقد يظل الواحد منهم يتساءل حتى الممات ماذا فعلت حتى يحدث لي هذا؟

الشر يتنفس الهواء الذي نستنشقه.