انبطاحة من أجل الوطن!
دعونا نتفاءل بالبشائر التي حملها خطاب الرئيس عمر البشير سيما وأنه قد تناول كثيراً من القضايا السياسية والاقتصادية التي أرجو أن أحوم حولها في هذا المقال.
لنبدأ بقول الرئيس أن (يكون هدفنا السياسي المشترك التداول السلمي للسلطة والاحتكام في خلافاتنا إلى الشعب واحترام خياراته بلا نكوص). ثم يقول: (سأكون بإذن الله رئيساً للجميع لا فرق بين من صوَّت لنا ومن لم يصوِّت وبين من شارك أو قاطع الانتخابات، فهذا حق مكفول لهم أجمعين).
كلمات من الذهب الخالص وهل يحتاج السودان إلا إلى ممارسة ديمقراطية نظيفة تتيح تداولاً سلمياً للسلطة وهل استجبنا لنداء الحوار الذي أطلقه الرئيس إلا لتحقيق تلك المبادئ الكفيلة بنقل السودان إلى مسار جديد ينهي الدائرة الخبيثة بين الحكم العسكري والديمقراطي ويحقق الحكم الراشد بعيداً عن الاحتراب والفساد؟.
كثيراً ما يغرق أهل الصحافة في قضايا تختلف في درجة أهميتها، لكن بالله عليكم هل من قضية مركزية ومفصلية تحكم كل شأن من شؤون حياتنا غير قضية الإصلاح السياسي الشامل الذي سنظل نراوح في مكاننا نعاني من الاحتقان والاحتراب والاضطراب والتخلف ما لم نستقم على مطلوباته بما يبعدنا عن الارتداد إلى تلك الدائرة الخبيثة التي قعدت ببلادنا وأرهقتها بالحروب والصراع السياسي والضعف الاقتصادي؟.
أقول للرئيس البشير إننا جاهزون لإعانتك وربّ الكعبة في هذا المسار الديمقراطي الذي أعلنتَ عنه حتى نستكمل سوياً هدف التداول السلمي للسلطة، وفقاً لمطلوبات الخيار الديمقراطي وما انخرطنا في الحوار وما أصررنا على خريطة الطريق التي أفضى إليها الحوار إلا لتحقيق ذلك الهدف النبيل فهلاّ انخرط المؤتمر الوطني من جديد في إنفاذ خريطة الطريق بهدف تحقيق مطلوبات تهيئة المناخ المنصوص عليها في تلك الوثيقة التاريخية ومعها الوثيقة الأخرى المسماة باتفاق أديس أبابا؟.
إذا كنا نريد أن تقام الانتخابات وفقاً لخريطة الطريق فإن الانتخابات قد انتهت وأقيمت رضي من رضي وأبى من أبى وقبلناها ونتائجها كأمر واقع تجنباً لفراغ دستوري يمكن أن ينشأ جراء رفضنا لنتائجها وليس من مصلحة الوطن البتة أن يتمترس كل طرف خلف موقفه حتى لو كان الخاسر من ذلك هو الوطن.
ذلك ما ينبغي أن يتداعى إليه الجميع بعيداً عن منهج (فش الغبينة وتخريب المدينة) فالوطن ينبغي أن يكون في حدقات العيون وينبغي أن يتنازل الجميع في سبيل معافاته ونهوضه مقدّمين في ذلك التضحيات مهما عظمت وإلا فإن البديل هو التغابن والتشاحن والحرب التي نرى تجلياتها في دول من حولنا دمّرت وقتلت شعوبها وشردت بل رأينا نتائجها في مناطق كثيرة في وطننا الحبيب.
نعم.. قدمنا بمقالنا هذا تنازلات بل وانبطاحات، ولكن الله شاهد والتاريخ شاهد أننا كنا أصحاب مبادئ حين أصررنا على عهدي خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا اللذين أجازهما المتحاورون جميعاً، وتواثقوا عليهما كما أن الله شاهد والتاريخ شاهد أننا، وقد نشأ واقع جديد فرض علينا بقيام الانتخابات، لا نملك غير أن نقدم هذا التنازل انحناءً لوطننا الجريح ونحن مرفوعي الرأس موفوري الكرامة.
إذن فإننا مع الشق السياسي من خطاب الرئيس المتعلق بتحقيق التداول السلمي للسلطة، وفقاً لخريطة الطريق التي نرجو أن تعود من جديد حاكمة لمسار الحوار ثقة في كلمة الرئيس أنه سيكون رئيساً للجميع من شارك ومن قاطع الانتخابات.
حمل خطاب الرئيس كذلك بشائر اقتصادية أهمها إنشاء مفوضية للشفافية ومكافحة الفساد بصلاحيات واسعة وأن تكون تابعة لرئيس الجمهورية.
إنه قرار طال انتظاره وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي ومن شأن هذه المفوضية أن تتحقق من مدى صحة ما تقوله منظمة الشفافية الدولية دارسة للحيثيات التي بنت عليها تقريرها الذي يضع السودان في قاع العالم ويجب أن يُعيّن من يكون أهلاً للثقة من حيث الاستقامة والقوة في مواجهة مراكز القوى مهما كانت سطوتها.
أتفاءل كثيراً بتعيين الدكتور عوض الحسن النور وزيراً للعدل كونه كان قاضياً ومن خارج الوزارة ،بما يعني أنه من خارج الصندوق مما يجعله يستمع للرأي الآخر ، خاصة وأن إنشاء مفوضية الشفافية ومكافحة الفساد تنتظر رجلاً يُطلق يدها ويعينها في مهمتها بعيداً عن مراكز القوى التي تنمّرت داخل الوزارة .
وأثق في أن د. عوض الحسن سيلغي كل مسوغات الفساد مثل بدعة (التحلل) وغيرها من خلال تعديلات تطول القانون الجنائي وغيره وتُصلح من شأن النيابات التي رأينا منها عجباً !.
أرجو أن أتناول في مقال آخر جوانب أخرى من خطاب الرئيس بما في ذلك حديثه عن الزراعة كقاطرة للاقتصاد.
الحكم الراشدوديمقراطي من متطلباتها ترسيخ الشوري والديمقراطيه بطريقه محايده في المجتمع وهذايجب ان يشترك فيه بتكوين دستور عبر حكومه قوميه ليس فيها مساعد اول معين لانه ابن فلان