محمد لطيف : بين الحكومة والمستهلك.. والصحافة وجمعيته
أمس جلست إلى السيد السميح الصديق وزير الصناعة مستمعا.. مجتهدا في عدم المقاطعة.. فالحق يقال إنني كتبت كثيرا في أزمة الزيوت المنتجة من البذور المحورة وراثيا.. وكنا مسبقا قد حددنا الخلاف بيننا في أهمية وضع ديباجة توضح الزيوت المحورة وراثيا من عدمها.. الوزير بدا عاتبا على الجمعية السودانية لحماية المستهلك.. وبدوت كمن أمثلها.. خاصة في ظل غياب أمينها العام والناطق باسمها الدكتور ياسر ميرغني الذي يدخل يومه الثامن رهن الاعتقال.. من خلال سرد الوزير اكتشفت أن الحكومة قد عقدت أربعة اجتماعات لمواجهة حملة الجمعية السودانية لحماية المستهلك.. وأن كل اجتماع قد شارك فيه ما لا يقل عن ثلاثة من الوزراء الاتحاديين.. وأن أبرز الاجتماعات كانت تلك التي عقدت بحضور نائب رئيس الجمهورية السيد حسبو محمد عبد الرحمن.. وأن أهم الاجتماعات كان ذلك الذي دعا إليه وترأسه السيد بدر الدين محمود وزير المالية.. لا بصفته وزيرا للمالية فحسب بل بصفته الأشمل وهي رئيس القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء.. يقول وزير الصناعة إن جمعية حماية المستهلك قد سبق لها أن اتفقت معه في أول لقاء لها مع السادة الوزراء بمكتب وزير الصناعة أن المرجعية النهائية في موضوع الزيوت المنتجة من بذور محورة وراثيا.. هي المجلس القومي للسلامة الإحيائية.. ولكن الوزير يعتقد أن الجمعية قد أخلت بهذا الاتفاق حين رفضت طرح المجلس أن هذه الزيوت لا ضرر منها.. وربما قد فات على الوزير أن واحدا من الأسس التي ارتكزت عليها جمعية حماية المستهلك هو قرار مجلس السلامة الإحيائية نفسه والقاضي بوضع ديباجة توضح نوع المنتج لعلم المستهلك وحتى يكون قادرا على اتخاذ القرار السليم في التصنيف بين المنتجات المحورة والمنتجات الطبيعية.. ولكن وزير الصناعة في حديثه معي يقدم دفعا لهذا الادعاء بقوله إن مجلس السلامة الإحيائية قد أبلغه أن التوسيم موجه للمجلس لا للمواطن.. وأن المواطن يكفيه اطمئنانا ما يقدمه المجلس من إفادات علمية قطعية عن سلامة الزيوت المنتجة من هذه المحورات من أي مشاكل.. بينما لم يقدم الآخرون أي سند علمي يثبت ضررا..!!
وحين أدفع للوزير بأن التوسيم قاعدة معمول بها في كل الدنيا.. يلجأ مرة أخرى لإفادة من المجلس الذي وجد أمامه تجربتين.. الأولى التجربة الأوروبية التي ما زالت تشكك في ذلك النوع من المنتجات.. أو على الأقل تحرص في المحافظة على حق المواطن في أن يعلم.. وبالتالي فهي تلزم المنتجين والعارضين بإبراز الديباجة التي توضح طبيعة كل منتج.. أما التجربة الثانية فهي التجربة الأمريكية التي تجاوزت الشكوك في المنتجات المحورة جينيا ولم تعد ترى ما يلزم وضع الديباجة.. أي تطبيق مبدأ التوسيم.. ويقول لي إن المجلس قد أخذ بالتجربة الأمريكية.. ولم أجد بالطبع إجابة على السؤال.. لماذا..!
تناقشنا حول الدور التوعوي للجمعية السودانية لحماية المستهلك.. وحقها في العمل على حماية المستهلك من الغش التجاري والاستغلال.. وتجادلنا حول سقف حركة الجمعية عموما وياسر ميرغني خصوصا.. واتفقنا أن ياسر ليس مسؤولا عن أخطاء الصحافة.. كما اتفقنا أن الصحافة ليست مسؤولة عن تجاهل الحكومة لما تطرحه الصحافة.. مما يعقد الأمور أحيانا.. وأخيرا اتفقنا أن القضاء هو أقصر الطرق لحفظ الحقوق..!
(صحيفة اليوم التالي)