لا أخبار هنا 2-2
أشرنا في حلقة أمس أن يوميات الخرطوم التي يبلغ عددها (47 صحيفة، 29 شاملة، و11 رياضية، و7 مما يسمونها اجتماعية)، والتي تخوض في أخبار محلية (زائفة) في غالب الأمر، بادعاء أن قراءها يريدون ذلك دون (المستورد والمحلي معاً)، بلغ متوسط توزيعها اليومي مجتمعة (364.354) نسخة بمعدل قراءة يومية 11 نسخة لكل 1000 شخص.
هذه الأرقام المحزنة، تكشف مقاطعة غير معلنة للصحف، مقاطعة دون شعارات ولافتات ومظاهرات، فجمهور القراء لا يعيرون أخباراً مثل افتتح الوزير الفلاني المؤسسة الفلانية، ولا التأم اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة كذا وكذا، يريدون نتائج ذاك الافتتاح وهذا (الالتئام)، القررات الناجمة عنها وبإيجاز وفي كلمات قليلة.
ما المشكلة إذن، أعني ما المشاكل؟
فعلاوة على ضيق هامش الحريات – إن وجدت بـ(المفهوم الصحيح) – فإن الصحافة ذاتها تسير مهنياً في اتجاه واحد، أي أنها صحافة تمولها الحكومة إما بصورة رسمية وإما تحت غطاء الاستقلالية الزائفة.. أما وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، فلا تعدو كونها مؤسسات هامشية، وهي بهذا التصنيف يمكن اعتبارها أجهزة ديماغوجية أكثر من كونها رائدة.
وعبر هذه المؤسسات المعقودة على (ذيل) الحكومة، ترفعها وتخفضها متى شاءت، ولأسباب هيكلية وبنيوية متصلة بالداخل الصحفي، حيث لا تدريب ولا تأهيل أثناء الخدمة، علاوة على (تفريخ) كليات الإعلام بالجامعات لكوادر لا تتوفر حتى المعلومات الأولية للمهنة، ولعوامل أخرى ذات صلة باحتكار الإعلان وابتزاز الصحافة به، ولما لا حصر لها من الأسباب الأخرى التي أدت إلى غياب الصحافة (الخبرية)، إذ تغلب على صحافتنا (صحافة الرأي)، التي غالبا ما تنزل إلى درجة ردود الأفعال والاستفزازات المبتذلة والتلفيق والشتائم.
كل ذلك أدى إلى تدني نسبة التوزيع في عديد الصحف بعد أن أعرض المواطن عن القراءة، يضاف إلى ذلك ارتفاع مستوى الأمية في البلاد عموما، التي تصل في كثير من المناطق إلى أرقام مفزعة.
هكذا أفرزت تلك العوامل سلوكاً جمعياً إزاء الصحافة المكتوبة (كلام جرايد وكده)، إذ ظل القراء ينظرون إليها على أساس أنها مساحة لملء الفراغ وحل الكلمات المتقاطعة، وأصبح فتح مقهى أو مطعم أفضل من تأسيس مطبعة أو إنشاء صحيفة، باعتبارنا ننظر إلى المشاريع الحضارية من منطلق الربح والخسارة.