سلفاكير وبيت الزجاج!
وأتتنا أنباء دولة الجنوب الموبوءة بالحرب الأهلية والجوع والمرض بأن حكام ولايات الإستوائية الكبرى قد أعلنوا انضمامهم إلى رياك مشار قائد المعارضة التي تشن الحرب على الرئيس سلفاكير.
فقد أعلن كل من كلمنت واني حاكم الإستوائية الوسطى ولويس لوبيونق حاكم شرق الإستوائية وبنقاسي بكاسورو حاكم غرب الإستوائية انضمامهم إلى مشار من خلال بيان صحفي أصدروه سوياً وأعلنوا عن رفضهم قرار سلفاكير تمديد فترة حكمه لثلاث سنوات إضافية واصفين ذلك القرار بغير الشرعي وأنه جاء لتمكين قبيلة الدينكا من الهيمنة على الجنوب.
إذن فإن القبائل الإستوائية بحكامها الذين كان سلفاكير قد عيّنهم في مناصبهم الحالية باتت تغلي كالمرجل بالثورة التي عمّت الجنوب شماليّه المكوّن في غالبه من قبيلتي النوير والشلك وغيرهما، وجنوبيّه المكون من القبائل الإستوائية.
هذا المشهد يذكّر بما حدث عقب توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972م بين الرئيس نميري وقائد حركة أنيانيا المتمردة جوزيف لاقو الذي ينتمي إلى إحدى القبائل الإستوائية الصغيرة (المادي) فبعد حين اكتشف جوزيف لاقو خطأه الفادح حين وجد أن تلك الاتفاقية كرّست لهيمنة الدينكا على الجنوب من خلال توحيدها لكل الأقاليم الجنوبية فما كان من لاقو إلا أن استدرك وجاء إلى نميري طالباً منه تعديل الاتفاقية بما يقسّم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم هي الإستوائية وعاصمتها (جوبا) وأعالي النيل وعاصمتها (ملكال) وبحر الغزال وعاصمتها (واو)، وذلك ما جعل الدينكا يحتجون ودفع الدينكاوي أبيل ألير إلى إصدار كتابه (التمادي في نقض العهود)، وبالرغم من أن قرنق أعلن تمرده قبل قرار نميري تعديل الاتفاقية وقبل إصدار نميري كذلك قرار قوانين الشريعة، فإن قرنق علّل إعلانه الحرب، زوراً وبهتاناً، بإلغاء الاتفاقية وبإصدار أحكام الشريعة التي سمّيت بقوانين سبتمبر 1983م.
أعود لأقول إن التاريخ يعيد نفسه فها هم الدينكا يسيطرون على الدولة الجديدة من خلال سيطرتهم على الجيش الشعبي وعلى مفاصل السلطة، وها هي القبائل الجنوبية تنتفض من جديد من خلال حرب أهلية تتصاعد وتيرتها وتضطرد.
كان الإنجليز من قديم يكتبون في تقاريرهم عن الجنوب أنه لا توجد به هوية مشتركة تجمع شتات قبائله المتناحرة، ذلك أن ولاء الجنوبي لقبيلته، ولا يعرف الجنوبيون وطناً يجمعهم، وذلك ما جعل جيمس روبرتسون السكرتير الإداري الاستعماري البريطاني يلحق الجنوب بالشمال رحمة به حتى يضمن له دولة تحميه وتضمه إلى وطن متماسك إلى أن يبلغ درجة من التحضر تؤهله مستقبلاً لتقرير مصيره.
إذن فإن دولة الجنوب على شفا الانهيار بعد تصاعد الحرب الأهلية وبعد أن زال الخوف ممن كانوا يرتعدون من سطوة الدينكا والجيش الشعبي الذي يستخدم كل صنوف البطش والقهر ضد كل من ينبس ببنت شفة وأصبحت كل قبيلة تحمي نفسها باقتناء السلاح المنتشر في الدولة الجديدة، وها هي منطقة (اللير) مسقط رأس سلفاكير تسقط في يد قوات مشار مما يعطي دفعة معنوية ونفسية قوية لقوات المعارضة وها هي الأمم المتحدة من خلال منظماتها تعلن عن أن المجاعة تفتك بملايين الجنوبيين، كما تعلن في بيان آخر صدر يوم الجمعة الماضي أن نحو مائة ألف شخص فروا خلال أسبوع واحد من ديارهم هرباً من الحرب التي تشتعل في ولاية الوحدة التي تحادد السودان.
من يفرون من جحيم الحرب في دولة جنوب السودان يلجأون بالطبع إلى السودان، وما أتعس السودان الذي كُتب عليه الشقاء من الجنوب حتى بعد أن غادره وأنشأ دولته، ولكن هل يعاني السودان فقط من أعباء النزوح الذي يزيد من أزماته الاقتصادية والسياسية والأمنية؟!.
للأسف فإن دولة الجنوب التي تقيم في بيت من الزجاج والتي لا تقوى على كبح التمردات التي تجتاحها والتي توشك أن تنهار بدلاً من أن تطبّع علاقاتها مع السودان حتى تنعم بجوار آمن يحقق لها استقراراً وسلاماً، تأبى إلا أن تهدد أمن السودان من خلال دعم الحركات المتمردة، وهل أبلغ من الهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة قبل نحو أسبوعين على السودان بعد أن شُوّنت وزُوّدت بالسلاح وعربات الدفع الرباعي والتدريب في جنوب السودان؟.
إن على الحكومة السودانية أن تعلم أنها لن تنعم بأمن واستقرار قبل أن تنهي حكم سلفاكير في دولة جنوب السودان الذي لا يحتاج إلى أكثر من (دفرة) صغيرة، ويومها لن يرتاح السودان من سلفاكير إنما كذلك من موسيفيني عدوه الإستراتيجي الحاكم في يوغندا والذي يسيطر الآن على القرار السياسي والعسكري في جنوب السودان من خلال تحالفه مع سلفاكير.
والله ياودمصطفي كلامك في الصميم لكن كيف تقدر تقنع ود اختك والجماعة المعاهو
على الحكومة السودانية المعاملة بالمثل لأن حكومة الجنوب لا تصدق ودائما تنقض العهود وتدعم الحركة الثورية توفر الملاذ الآمن لهم.