حيدر المكاشفي

لو أن الناس نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه

*الممنوع مرغوب والمحظور يثير الفضول..
٭ المرء حريص على ما مُنع وتوّاق إلى ما لم ينل..
٭ ويقال أيضاً لو أُمر الناس بالجوع لصبروا ولكن لو نُهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه..!
٭ ويمكن أن نمضي في نسج الأقوال والقواعد الذهبية على هذا المنوال إلى أن نبلغ بها مقام سيدنا آدم عليه السلام أبو البشر، الذي لم يمتنع عن الشجرة التي نُهي عنها رغم وجود العديد من الأشجار المغنية عنها..

الشاهد أنه بذات القدر الذي انتشرت فيه الشائعات لحظة ظهور جسم فضائي شمالي أم درمان مصحوباً بدوي هائل، تكاثرت الصيحات المنبهة لأخطار الشائعات وأضرارها.. ولا أريد هنا الحديث تخصيصاً عن هذه الحادثة وشائعاتها، بل أريد التوسل بها لطرح قضية طالما أرقت النشر الصحفي وهي قضية المحظورات والمصادرات التي ما تزال تكابدها الصحافة المحلية، والعلاقة واضحة بين هذه الممارسات التي تأخذ بخناق الصحافة وانطلاق الشائعات، فليس بديل النشر سوى الإشاعات والتسريبات والشنشنات التي ستجد لها رواجاً ليس هامساً في مجالس الأنس والسمر والملتقيات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية فحسب، وإنما ستنوء بها الأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي الإليكترونية الكثيرة والقوية التأثير وهي غير خاضعة لا لسنسرة ولا لقرارات حظر أو مصادرة، ويمكنها نشر كل ما يرد إليها من معلومات وكتابات بالحق أو بالباطل حول أي قضية تمنع الصحافة الورقية المحلية من الاقتراب منها، وهكذا يمكن أن تختلط المعلومة الصحيحة بالشائعة الخاطئة والكتابة الهادفة بالكتابة المغرضة، وهذا في المحصلة يضر بالقضية المحظور النشر عنها أكثر من أن يفيدها، كما أنه من ناحية أخرى ليس من العدل ولا من المنطق أن يُقمع حق الصحف في أن تنشر ويُزدرى حق المجتمع في أن يعرف، مقابل اتهامات ظنية مسبقة تتهم الصحف في ذمتها ومهنيتها بأنها حتماً ستنشر ما يؤثر سلباً على مجريات القضية أو يغمز أبرياء، فكل هذا من سوء الظن ليس إلا وتقدير للخطأ قبل وقوعه، فالأعدل والأصوب هو عدم المساس بحرية النشر مع محاسبة من يقع في المحظور الذي يؤثر سلباً بصفة فردية وليس بمثل هذه العقوبة الجماعية المسبقة التي تخالف روح العدالة وتبطل أحد أهم أركانها، وقد تعلمنا بالتجربة من كثرة تكرار أوامر حظر النشر والمصادرات أنها غالباً يقصد بها مجاملة جهات أو أشخاص أو أجهزة ستمسها تفاصيل بعض ما ينشر أو أنها ستفضح سياسات وممارسات غير قانونية أو تكشف وجهاً لفساد إداري أو مالي لا يراد للرأي العام الاطلاع عليه، وليس لأن النشر سيمس سيادة البلاد وأمنها ومصالحها العليا كما هو الحال في عدد من القضايا التي حظرت عن النشر، فلمصلحة من إذن والحال هذا يمنع النشر إن لم يكن لمصلحة الإشاعات؟!.