غابت الكهرباء وازدهرت تجارة الظلام
أتصور أن لحظات غياب التيار الكهربائي ليل أمس الأول عن كل ولايات السودان ولساعات بأكملها، كانت فرصة ممتازة أن يقرأ المشتغلون باتجاهات الرأي العام، أن يقرأوا حديث (العقل الباطن) لجماهير الشعب السوداني، وبدا جلياً من خلال هواجس سيل المهاتفات الجارف واحتشاد مواقع التواصل الاجتماعي، أن عقلنا الباطن مشبع بعوامل القلق والخوف والهواجس والظنون، قلق تشكلت كتله المخيفة من خلال مشاهدة ما يجري حولنا في الإقليم، فضلاً عن ما يتهدد وطننا من أطرافه وما يمنينا به بعض المعارضين، بحيث زاد طين القلق بلة، هو أن بعض الكوادر الفكرية التي لا يعجبها أن تستقيم الحياة في هذه البلاد، ممن يجدوا أنفسهم في وحل الماء العكر، طفق هؤلاء يصطادون، يبيعون ويشترون في ظلام الأزمة، لدرجة أن صنع بعضهم رسائل من مروي بأسماء وهمية، تزعم أن تيربونات خزان مروي قد تعرضت إلى عمليات تخريب وحريق هائلة!! فكثير من الخفافيش التي لا تعرف أن تعمل إلا في الظلام، قد لحقت بسوق الهواجس والظنون وحطبت ليلاً بضاعة الظلام والشجون !!
ولك عزيزي القارئ أن تأسف وتأسى لجماعات فكرية بأكملها فقدت موطئ أقدامها بين الجماهير، وخسرت أسواق السياسة الشرعية، فلجأت إلى العمل والنضال تحت جنح الظلام في (السوق السياسي الموازي)، السوق الفكري الأسود، نكاية في هذا الشعب الذي خذلهم مرات، مرة عندما لم يخرج إلى طرقات ثورتهم المفترضة وميادينهم الخاوية .. فكتبوا وانصرفوا (خرجنا ولم نجدك).. ومرة عندما لم تخرب العملية الانتخابية بالخروج عليها أو مقاطعتها و.. و..
ليبقى عشم النضال الوحيد في متاجر الواتساب و(أسواق الظلام) وتجارة التخويف، بأن المعارضة هي من صادرت النور والكهرباء ليلتئذ بنضالها الميمون !! وهل تكون هذه فرصة طيبة لتصحيح مسارات النضال سيما عند الحركات المتمردة، على أن تخريب دوانكي المياه وشبكات الكهرباء وتحطيم أبراج الاتصالات وتدمير المشافي والمدارس وعري التنمية و.. و.. ليس هذا نضالاً حراً شريفاً، ولعمرى أن لم يكن تخريباً وتمرداً وعقوقاً !!
غير أن هناك نقاطاً مضيئة في ليل الأزمة وتحت جنح الظلام وجنوح البعض، بحيث طفقت فئة أخرى تمارس عمليات وعي وتنوير وتدوير لإعلانات أهل الاختصاص، بأن القصة ليست قصة وطن خرج ولم يعد، القصة كل القصة أن عطلاً طارئاً قد حدث ويجري العمل على إصلاحه وأن التيار سيعود تدريجياً خلال ساعات و.. و..
على أن ليل الحالمين قصير، أتى التيار وأصبح الصبح ولا سجن الظنون ولا سجان الهواجس باق.. وإذ فجر الحقيقة جناحان ..
مخرج.. وقديماً قال شيخ العرب (الكايس الغنى يعمل حساب لي فقرو).. الذي يبحث عن مكسب في الظلام، يجب أن يتحسب لمباغتة فجر الحقيقة والضياء !!