منى ابوزيد

في قصص الشعوب .. (2)

(1)
السياسة التي انتهجتها البرازيل مع الأمريكيين عند دخول أراضيها ما تزال من أبلغ سوابق المعاملة بالمثل في تقاليد المجتمع الدولي، فالأمريكي – الذي فرضت بلاده تصوير القادمين إليها وأخذ بصماتهم في المطارات – تم التعامل معه بذات السياسة التي تطبقها بلاده و”الحشاش يملا شبكتو”! .. قد يقول قائل إن ترتيب البرازيل هو العاشر في قائمة الدخل السنوي لدول العالم، وبالتالي فهي تقدل فوق عديلها! .. ولكن مبدأ المعاملة بالمثل في نهاية الأمر مسألة مبدأ، وهو الطريقة الوحيدة لحفظ هيبة الدولة وسيادتها، وهو الذي صون كرامة مواطنيها في طرقات وأزقة هذا العالم القاسي .. أليس كذلك ..؟!
(2)
المذيع يسأل أحد المستمعين على الهاتف: “هل تعتقد أن علينا أن نصاحب المسلمين” ؟! .. الرجل مجيباً بثقة يحسد عليها: “أعتقد أن مصلحة أمريكا أن تصاحب المسلمين الأمريكيين للتخلص من زعمائهم في بلاد الإسلام”! .. المذيع معقباً بكل اطمئنان يغبط عليه: “أنت تعتقد أن علينا أن نصاحب المسلمين، ولكني أرى أن علينا أن نقتلهم”! .. هذا رجل عاقل بالغ يدعو أمريكا – عبر أثير إذاعتها – إلى قتل المسلمين، لكننا لم نسمع بردة فعل تشجب موقفه أو تتهمه بالتحريض على جريمة قتل، فالبيت الأبيض الذي يندد بدبيب نمل المسلمين يرى أن الكثير من حوادث الإساءة إليهم والتصريح بكراهية إسلامهم هي جزء من حرية التعبير في أمريكا .. لكن الموازين تنقلب تماماً عندما يعتقد – بعض أمثاله من حمقى المسلمين – أن عليهم أن يقتلوا بعض مواطنيه الأمريكيين ..!

(3)

لا مقارنة بين حجم القوة الاقتصادية ومقدار الحظوة السياسية الدولية لكل من السعودية (التي تتصدر قائمة الدول المنتجة للنفط، والتي تضاعف إنتاجها الوطني أكثر من ثلاثة وثلاثين مرة في أقل من ثلاثين عام) وسوريا (الدولة النامية التي تصنف في المركز السابع والتسعين عالمياً والثاني عشر عربياً من حيث جودة الحياة والسابع بعد المائة من حيث التطور البشري)، ورغم اتساع الهوة تم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بينهما – قبل سنوات – في فرض الرسوم على دخول الحدود المشتركة ..!
(4)
خمسون عاماً من الصداقة السعودية الكورية الجنوبية، كانت ستذروها رياح القطيعة السياسية، وتبادل تجاري حجمه أكثر من أربعين مليار دولار كان سيلقى حتفه الاقتصادي، والسبب مزحة ثقيلة أطلقها مواطن شرق آسيوي غير مسئول، لولا أن الله قد قيض لكوريا الوزير المناسب في الوزارة المناسبة! .. كوريا الجنوبية التي تحتل المرتبة الثانية عشر في الاقتصاد العالمي، والتي كان لمشاريعها التنموية دوراً عظيماً في تطوير الصناعات والبنية التحتية بالسعودية، والتي تعد من أكبر الدول المستوردة للنفط السعودي وغيره من صادراتها .. والتي .. والتي .. كان لها أن “تقدل فوق عديلها”، فتأخذها العزة بإثم لم ترتكبه أساساً، وهي التي تستطيع أن تأكل فعلاً، وأن تلبس فعلاً – بل أن تخاصم وأن تفجر أيضاً – مما تصنع .. لكنها أعلى مراتب النضج السياسي، وأرقى مهارات السياسة في إدارة الأزمات ..!