هاشم كرار : لا مكان للإظلام!
هذا عصر الانفتاح الكبير، والشفافية، لكن الكثير من الأنظمة لاتزال تعيش في عصر الغياب والتغييب. أحداث كبيرة، تحدث، في الكثير من الدول، لكن أنظمتها تضرب سياجًا عتيدًا، حول هذه الأحداث، لكنها- من فرط غيابها عن العصر- لا تدري أن هذا السياج، في عصر كبسات الذر، هو أوهى من خيوط العنكبوت، بمقدار! الخبر- الذي تظنه هذه الأنظمة الغائبة والمغيبة- اليوم بفلوس، هو بتراب الفلوس، في ذات اللحظة، طالما أن في هذا العالم، عقولاً جبارة مثل بيل غيتس، ومارك جوكربيرغ (مخترع) أضخم شبكة للتواصل الاجتماعي، بين البشر، بمختلف ألوانهم، وألسنتهم، وثقافاتهم، ومعتقداتهم، وأفكارهم في الحياة والموت والمصير! سقط الجدار: جدار الحجب، بما يعرف الآن- في العالم كله- بثورة التواصل والاتصالات.. الثورة التي جعلت من هذا العالم، قرية كونية واحدة، بكل ما في القرية الواحدة، من مصائر مشتركة، وبكل ما فيها من أدبيات التداخل الحميم، والمشايلة. سقط الجدار، ولم يعد هنالك ماهو وراءه..
الأمثلة كثيرة: حاول زين العابدين بن علي- ما استطاع- أن يحجب ما يدور حين راحت الحلاقيم نزأر. أقام جدارًا، بقطع الإنترنت، ليشل كل إصبع يضغط على أزرار لوحة المفاتيح، ويلغم كل فم وراء هاتف محمول، حجرًا أصم، لكن رغم ذلك، ما استطاع سبيلاً، والفضاء يقول كلمته: تساقطت الإشارة، من وراء إشارة، من تلك الأقمار التي ترفل في الفضاء، طليقة.. تعاين، بعينين دونهما عيني الزرقاء، تلك التي قالت إنني أرى شجرًا يسير! ما حاوله، وفشل فيه بن على، فشل فيه مبارك، والمصريون في كل مكان أصبحوا هتافًا واحدًا، في دولة لا حدود لها، اسمها «فيسبوك»..
في هذه الدولة الافتراضية، التي تستهين بكل رقيب، وأداة للقمع والتنكيل، والتغييب، كانت الثورة حاضرة في كل لحظة، من لحظاتها المثيرة، إلى يوم الرجل الذي يقف وراء عمر سليمان، إلى يوم المروحية التي حملت مبارك إلى شرم الشيخ، إلى يوم انتصارها الباذخ، إلى يوم الناس هذا! سقط الجدار، والأمثلة كثيرة، لكن لاتزال أنظمة في هذا العالم، تحاول بناء جدار، من وراء جدار، وكل جدار مصيره السقوط المريع، ذلك لأن هذا العصر هو العصر الذي لن يستطيع فيه أي نظام، أن يحجب فيه الحقيقة، بالجدران الغرابيل! مثل بن علي.. مثل مبارك.. مثل صالح، مثلما هو الأسد حاليًا، لو كان بإمكان أمثالهم من زعامات الجدران السميكة، لجدعوا أنوف بيل غيتس، ومخترع الدولة الافتراضية، وغيرهما من أصحاب العقول الجبارة أولئك الذين بثورتهم التكنولوجية الجبارة، أناروا أي بقعة حالكة الظلام، في هذا العالم.. بل أسقطوا الجدار الذي كانت ترتكب وراءه الفظائع، والانتهاكات المخزية، والجرائم المروعة! لأصحاب هذه العقول، دين مستحق على ثوار هذه المنطقة من العالم، وهو دين ينبغي من السادة الجدد رده.. ولن يكون هذا الرد إلا بالوفاء لثورة تلك العقول: ثورة إسقاط الجدران.. للسادة الجدة أقول: لا تحاولوا بناء الجدران السميكة.
إنها محاولة مصيرها الفشل الذريع، في عصر بيل غيتس، وفيس بوك، وتويتر، وماهو في الطريق أجمل وأعظم، بكل المقاييس!